كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) قال الله فيهم (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) فأعاد الصفة عليهم لما لم يكن المسلمون المؤمنون أهل سفه ، فليس المسلم إلا من سلم من جميع العيوب الأصلية والطارئة ، فلا يقول في أحد شرا ولا يؤثر فيه إذا قدر عليه شرا أصلا ، وليس إقامة الحدود بشر فإنه خير فلا يخرجه ذلك عن الإسلام ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم اشترط سلامة المسلمين ، ومن آذاك ابتداء عن قصد منه فليس بمسلم ، فإنك ما سلمت منه ، والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول : [من سلم المسلمون] فلا يقدح القصاص في الإسلام ، فإنك ما آذيت مسلما من حيث آذاك ، فإن المسلم لا يؤذي المسلم ، بل أسقط القصاص في الدنيا القصاص في الآخرة ، فقد أنعم عليه بضرب من النعم ، فإن عفا وأصلح ولم يؤاخذه وتجاوز عن سيئته فذلك المقام العالي وأجره على الله ، بشرط ترك المطالبة في الآخرة ، وحق الله ثابت قبله لأنه تعدى حده ، فقدح في إسلامه قدر ما تعدى ، فإن قيل : إن عصى المسلم ربه في غير المسلم هل يكون مسلما بذلك أم لا؟ قلنا : لا يكون مسلما ، فإن الله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) والمسلم لا يكون ملعونا ، فلقائل أن يقول : هنا بالمجموع كانت اللعنة ، ونحن إنما قلنا : من آذى الله وحده ، قلنا : كل من آذى الله وحده في زعمه فقد آذى المسلمين ، فإن المسلم يتأذى إذا سمع في الله من القول ما لا يليق به ، فهو مؤاخذ من جهة ما تأذى به المسلمون ، من قولهم (١) في الله ما لا يليق به ، فإن قيل : فإن لم يعرف ذلك المسلمون منه حتى يتأذوا من ذلك ، قلنا : حكم ذلك حكم الغيبة ، فإنه لو عرف من اغتيب تأذى ، وهو مؤاخذ بالغيبة فهو مؤاخذ بإيذائه الله وإن لم يعرف بذلك مسلم ، قال صلىاللهعليهوسلم : [لا أحد أصبر على أذى من الله] ، فالمسلم من كان بهذه المثابة ، وهو السعيد المطلق وقليل ما هم : (وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) المؤمنون والمؤمنات تولاهم الله بالإيمان الذي هو القول والعمل والاعتقاد ، وحقيقته الاعتقاد شرعا ولغة ، وهو في القول والعمل شرعا لا لغة ، فالمؤمن من كان قوله وفعله مطابقا لما يعتقده في ذلك الفعل ، فأولئك من الذين أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [المؤمن من أمنه الناس على أموالهم] وقال صلىاللهعليهوسلم : [المؤمن من أمن جاره بوائقه] ولم يخصّ مؤمنا ولا مسلما ، بل قال : الناس والجار من غير تقييد ، فإن المسلم قيّده بسلامة المسلمين ، ففرق بين المسلم
__________________
(١) الضمير هنا يعود على غير المسلمين الذين آذاهم المسلم.