مظهرها في المخلوقين (مثل الغنى والعزة والجبروت) ، فإن العلماء بالله يذلون تحت سلطانها ولا تحجبهم المظاهر عنها ولا يعرف ذلك إلا العلماء بالله ، وأعلى الذكر أن نذكره بكلامه من حيث علمه بذلك لا من حيث علمنا ، فيكون هو الذي يذكر نفسه لا نحن (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) هؤلاء أعد الله لهم المغفرة والأجر العظيم قبل وقوع الذنب المقدر عليهم عناية منه ، فدلّ ذلك على أنهم من العباد الذين لا تضرهم الذنوب التي وقعت منهم بالقدر المحتوم ، لا انتهاكا للحرمة الإلهية ، وقد ورد في الصحيح في الخبر الإلهي [اعمل ما شئت فقد غفرت لك].
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (٣٦)
ولم يقل تعالى : ومن يعص الرسول فقد عصى الله ، كما أنزله في الطاعة ، لأن طاعة المخلوق لله ذاتية وعصيانه بالواسطة ، فلو أنزل الرسول هنا كما أنزله في الطاعة لم يكن إلها ، وهو إله ، فلا يعصى إلا بحجاب ، وليس الحجاب سوى عين الرسول ، ونحن اليوم أبعد في المعصية للرسول من أصحابه إلى من دونهم إلينا ، فنحن ما عصينا إلا أولي الأمر منا في وقتنا ، وهم العلماء منا بما أمر الله به ونهى عنه ، فنحن أقل مؤاخذة وأعظم أجرا ، لأن للواحد منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل الصحابة ، يقول صلىاللهعليهوسلم : [للواحد منهم أجر خمسين يعملون مثل عملكم] (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الضلال هو الحيرة وقال تعالى : (مُبِيناً) لأنهم أوقعوا أنفسهم في الحيرة لكونهم عبدوا ما نحتوا بأيديهم ، وعلموا أنه لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم من الله شيئا ، فهي شهادة من الله بقصور نظرهم وعقولهم.
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ