مرتبة الأولية في هذا الاسم ، فبه يحيا كل من يحيا من الناس من تقدم ومن تأخر ، فإن الله ما جعل له من قبل سميا ، فكل يحيى تبع له ، فبظهوره لا حكم لهم ، وبعد ذلك وقع الاقتداء به في اسمه ليرجع إليه ، وسماه الله يحيى ، أي يحيا به ذكر زكريا ، فجمع بين حصول الصفة وبين الاسم العلم ، وما جمع الله لأحد قبل يحيى بين ذلك إلا لزكريا عناية منه. ولما سلّط عليه الجبار عدوه فقتله ، وما حماه منه ولا نصره باقتراح بغيّ على باغ ، فإنه أراد بقاءه حيا فقتله شهيدا ، فأبقى حياته عليه ، فجمع له بين الحياتين فسماه يحيى ، وأثرت فيه همة أبيه لما أشرب قلبه من مريم ، وكانت منقطعة من الرجال فجعله حصورا بهذا التخيل ، وجاء في الخبر أن الله يأتي بالموت يوم القيامة فيوضع بين الجنة والنار ليراه هؤلاء وهؤلاء ويعرفون أنه الموت ، في صورة كبش أملح ، فيذبحه يحيى عليهالسلام خاصة ، وذلك من سرّ اسمه ، فإن الموت ضد له ولا يبقى معه ، والدار دار الحيوان فلابد من إزالة الموت ، فلا مزيل له سوى يحيى.
(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (٨)
ليس أعجب من حال زكريا عليهالسلام ، وهو الذي ظهر فيه سلطان الإنسانية حين يقول (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) فما سأل حتى تصور الوقوع ، فأين هذه الحالة من قوله (رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) فإن لم يكن ثمّ قرينة حال جعلته أن يقول مثل هذا حتى يقال له في الوحي.
(قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (٩)
(قالَ) له في الوحي (كَذلِكَ) الله يفعل ما يشاء ، فيكون قصد إعلام الله بذلك حتى يعلم غيره أن الله يفعل ما يشاء في المعتاد أن يخرقه كما وقع ، وإن كان ذلك القول الذي قال زكريا عليهالسلام من نفسه فقد أعطته الإنسانية قوتها ، فإن الإنسان بذاته كما ذكره الله في كتابه ، فما ذكره الله في موضع إلا وذكر عند ذكره صفة نقص تدل على