في يقظة ونوم وحركة وسكون ، تريد أنه ما تصرف ولا كان على حال من الأحوال إلا في أمر مقرب إلى الله فجميع الطاعات كلها من فعل وترك إذا فعلت أو تركت لأجل الله ، فذلك من ذكر الله أي الله ذكر فيها ومن أجله فعلت أو تركت على حكم ما شرع فيها ، وهذا هو ذكر الموفقين من العلماء بالله ـ إشارة للعارفين ـ يغار أكثر أهل الطريق ولا سيما أهل الورع منهم أن يذكر الله بين العامة ، فيذكرونه بقلوب غافلة عن الحضور عما يجب لله من التعظيم ، وقد أخطؤوا في ذلك ، فإن القلب وإن غفل عن الذكر الذي هو حضوره مع المذكور ، فإن الإنسان من كونه سميعا قد سمع ذكر الله من لسان هذا الذاكر ، فخطر بالقلب ووعى ما جاء به هذا الذاكر ، ولم يجىء إلا بذكر اللسان الذي وقع بالسمع ، فجرد له هذا القلب ما يناسبه من الذاكرين منه وهو اللسان ، فذكر الله بلسانه موافقة لذكر ذلك المذكّر له ، والقلب مشغول في شأنه الذي كان فيه ، مع أنه لم يشتغل عن تحريك اللسان بالذكر ، فلم يشغله شأن عن شأن ، فما ذكر أحد الله عن غفلة قط ، وما بقي إلا حضور باستفراغ له أو حضور بغير استفراغ ، بل بمشاركة ، ولكن زمان أمره اللسان بالذكر ما هو زمان اشتغاله بغيره ، فما ذكره غافل قط أي عن غفلة في حال أمر القلب اللسان بالذكر إلا في حال ذكر اللسان ، ثم إن اللسان قد وفّى حقه في العلانية من الذكر ، فإنه من الأشياء المسبحة لله ، فمن غار على الله لم يعرفه ، وإنما يغار له لا عليه.
(وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢)
(وَسَبِّحُوهُ) أي صلوا له ، ولهذا قال : (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) يعني صلاة الغداة والعشي ، فأمرنا هنا بالصلاة بكرة وأصيلا ، فإن في ذلك غذاء العقول والأرواح ، كما أن غذاء الجسم في هذه الأوقات في قوله : (لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ورزق كل مخلوق بحسب ما تطلبه حقيقته ، فالأرواح غذاؤها التسبيح ، فقيل لها : سبحه أي صل له في هذه الأوقات واذكره على كل حال ، فقيد التسبيح وما قيد الذكر ، فعلمنا أن التسبيح ذكر خاص مربوط بهذه الأوقات.
(هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ