(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) أي إذا وقع اللقاء بشر بالسلامة أنه لا يشقى بعد اللقاء أبدا. ، فلله رجال يلقونه في الحياة الدنيا ويبشرون بالسلام ، وثمّ من يلقاه إذا مات ، وثمّ من يلقاه عند البعث ، وثمّ من يلقاه في تفاصيل مواقف القيامة على كثرتها ، ومنهم من يلقاه بعد دخول النار وبعد عذابه فيها ، ومتى وقع اللقاء حيّاه الله بالسلام فلا يشقى بعد ذلك اللقاء ، فلهذا جعل السلام عند اللقاء ، ولم يعين وقتا مخصوصا لتفاوت الطبقات في لقائه ، فآخر لاق يلقاه المؤمن بوجوده خاصة ، فإنه قال : (بِالْمُؤْمِنِينَ) ولم يقيد فلا نقيد ، ثم قال : (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) كل أجر على قدر ما عنده من الإيمان ، وأقلهم أجرا ، المؤمن بوجود الله إلها إلى ما هو أعظم في الإيمان ، فصلاة الله رحمته بخلقه ، وصلاة الحق كائنة على كل موجود وهي عموم رحمته بمخلوقاته.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (٤٦)
من شرط من يدعى الإجابة إلى ذلك ، وجعله بإلى في قوله (إِلَى اللهِ) وهو حرف غاية ، وهو انتهاء المطلوب ، فتضمنت حرف إلى أن المدعو لا بد أن يكون له سعي من نفسه إلى الله ، فقال تعالى (بِإِذْنِهِ) أي بأمره ، لم يكن ذلك من نفسك ولا من عقلك ونظرك ، فافتقر المدعو إلى نور يكشف به ما يصده عن مطلوبه ، ويحرمه الوصول إليه لما دعاه ، مثل الشبه المضلة للإنسان في نظره إذا أراد القرب من الله بالعلم من حيث عقله ، فجعل الحق شرعه سراجا منيرا ، يتبين لذلك المدعو بالسراج الطريق الموصلة إلى من دعاه إليه ؛ وجعل الرسول صلىاللهعليهوسلم (سِراجاً مُنِيراً) أي يظهر به للمدعو ما يمنعه من الوصول فيجتنبه على بصيرة ، ولما كان السراج مفتقرا إلى الإمداد بالدهن لبقاء الضوء ، كان الرسول سراجا منيرا للإمداد الإلهي الذي هو الوحي ، وجعله منيرا أي ذا نور لما فيه من الاستعداد لقبول هذا الإمداد ، فهو صلىاللهعليهوسلم سراج منير ، لأن الله يمده بنور الوحي الإلهي في دعائه إلى الله عباده ، فهو نور ممدود بإمداد إلهي لا بإمداد عقلي ، وهذا إجابة الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم في دعائه بقوله لربه : [واجعلني نورا].