النبي من مقام صلاة الملائكة على النبي ، ثم أمرنا تعالى أن نصلي عليه صلىاللهعليهوسلم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فأمرنا أن نصلي عليه بمثل هذه الصلاة الجامعة بصلاتنا عليه ، والصلاة على النبي في الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلي لمحمد صلىاللهعليهوسلم بظهر الغيب ، وقد علّمنا كيف نصلي عليه أي كيف ندعو له ، وقد أمرنا أن ندعو له بالوسيلة والمقام المحمود ، وقد ورد في الصحيح عنه صلىاللهعليهوسلم [أنه من دعا بظهر الغيب قال له الملك ولك بمثله وفي رواية ولك بمثليه] فشرع ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمر بها ليعود هذا الخير من الملك على المصلي عليه من أمته صلىاللهعليهوسلم ، وأمر بالسلام عليه بقوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فأكده بالمصدر ، فقد يحتمل أن يريد بذلك السلام المذكور في التشهد ، ويحتمل أن يريد به السلام من الصلاة ، أي إذا فرغتم من الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم فسلموا من صلاتكم تسليما (١) ، فالصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم في التشهد فرض ، والتعوذ من الأربع المأمور بها في التشهد واجب ، وهي أن يتعوذ من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا وفتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال ، ولو لم يأمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالتعوذ منها لكان الاقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم أولى ، إذ كان التعوذ منها من فعله ، فكيف وقد انضاف إلى فعله أمره أمته بذلك؟ وأما التسليم من الصلاة فهو واجب ، والثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه كان يسلم تسليمتين ، سأل المؤمنون رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن كيفية الصلاة التي أمرهم الله أن يصلوها عليه ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم] أي مثل صلاتك على إبراهيم وعلى آل ابراهيم ، ويظهر من هذا الحديث فضل إبراهيم عليهالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذ طلب أن يصلي عليه مثل الصلاة على إبراهيم ، فاعلم أن الله أمرنا بالصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يأمرنا بالصلاة على آله في القرآن ، وجاء الإعلام في تعليم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إيانا الصلاة عليه بزيادة الصلاة على الآل ، فما طلب صلىاللهعليهوسلم الصلاة من الله عليه مثل صلاته على ابراهيم من حيث أعيانهما ، فإن العناية الإلهية برسول الله صلىاللهعليهوسلم أتم ، إذ قد خصّ بأمور لم يخصّ بها نبي قبله لا إبراهيم ولا غيره ، وذلك من صلاته تعالى عليه ، فكيف يطلب الصلاة من الله عليه مثل صلاته على إبراهيم من حيث عينه؟ إنما المراد من ذلك أن الصلاة على الشخص قد تصلى عليه من حيث عينه
__________________
(١) راجع الإشارة في نهاية البحث.