فاشبهت الأنبياء في ذلك ـ وهذا التفسير عن واقعة إلهية ، يقول رضي الله عنه (أي الشيخ الأكبر). وهذه مسئلة عظيمة جليلة القدر ، لم نر أحدا ممن تقدمنا تعرض لها ولا قال فيها مثل ما وقع لنا في هذه الواقعة ، إلا إن كان وما وصل إلينا ، فإن الله في عباده أخفياء لا يعرفهم سواه ـ وجه آخر ـ لكي ننال ما ناله إبراهيم عليهالسلام من الخلة على قدر ما يعطيه حالنا ، قال لنا : [قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد] والمؤمنون آله [كما صليت على إبراهيم] وما اختص به إلا الخلة ، فلما دعونا بها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أجاب الله دعاءنا فيه لنتخذ عنده يدا بذلك ، فصلى الله عنه علينا عشرا ، فقام تعالى عن نبيه صلىاللهعليهوسلم بالمكافأة ، عناية منه به عليهالسلام وتشريفا لنا ، حيث لم تكمل المكافأة في ذلك لملك ولا غيره ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك لما حصلت الإجابة من الله فيما دعوناه فيه لنبيه صلىاللهعليهوسلم : [لو كنت متخذ خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم] يعني نفسه [خليل الله] ولو صحت له هذه الخلة من قبل دعاء أمته له بذلك لكان غير مفيد صلاتنا عليه ، أي دعاءنا له بذلك ، وحكم الخلة ما ظهر هنا ، وإنما يظهر ذلك في الآخرة ، ففي الآخرة تنال الخلة لظهور حكمها هناك ، وأما الذي يظهر منها هنا لوامع تبدو وتؤذن بأنه قد أهّل لها واعتني به ـ تحقيق ـ من غيرة الله أن تكون لمخلوق على مخلوق منة لتكون المنة لله ، فما خلق مخلوقا إلا وجعل لمخلوق عليه يدا بوجه ما ، فإن أراد الفخر مخلوق على مخلوق لما كان منه إليه ، نكس رأسه ما كان من مخلوق آخر إليه ، والأنبياء والرسل والكمل من العلماء بالله لا يخطر لهم ذلك ، لمعرفتهم بحقائق الأمور وما ربط الله به العالم ، وما يستحقه جلاله مما ينبغي أن يفرد به ولا يشارك فيه ، فنصب الأسباب وأوقف الأمور بعضها على بعض لما تقتضيه الحكمة ، فقال لرسوله صلىاللهعليهوسلم (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) فهذا فخر ويد ومنة ، يتعرض فيها علة ومرض ، ولكن عصم الله نبيه من ذلك ، فجعل سبحانه في مقابلة هذه العلة دواء كما هي أيضا دواء لما هو لها دواء ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) فإن افتخرنا بالصلاة عليه على طريق المنة ، وجدناه قد صلى علينا حين أمر بذلك ، وان تصوّر في الجواز العقلي أن يمتن بصلاته علينا ، منعته من ذلك صلاتنا عليه أن يذكر هذا ، مع كونه السيد الأعظم ، ولكن لم يترك له سبحانه المنة على خلقه ، ليكون هو سبحانه المنعم الممتن على عباده بجميع ما هم فيه ، وما يكون منهم في حق الله من الوفاء