(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) ـ الوجه الأول ـ لما كانت عطاياه تعالى للأنبياء والرسل عليهمالسلام اختصاصا إلهيا ، فهي مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها منهم جزاء فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال ، قال تعالى في حق داود (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ، ـ الوجه الثاني ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أي معرفة به سبحانه لا يقتضيها عمله ، فلو اقتضاها عمله لكانت جزاء ، ووهب له فضلا سليمان عليهالسلام فقال (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) ـ لغة : لا يكون ما بعد النداء أبدا إلا منصوبا ، إما لفظا وإما معنى ، ولهذا عطف بالمنصوب على الموضع في قوله تعالى : (وَالطَّيْرَ) بالنصب ، عطفا على موضع الجبال وإن كان مرفوعا في اللفظ في أوقات ، ولهذا قرىء أيضا والطير بالرفع ؛ قال تعالى في حق داود فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه بالتسبيح ، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطير (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ـ إشارة ـ (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) القلوب القاسية يلينها الزجر والوعيد تليين النار الحديد ، وإنما الصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة ، فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار ولا تلينها ، وما ألان له الحديد إلا لعمل الدروع الواقية ، تنبيها من الله ، أي لا يتّقى الشيء إلا بنفسه ، لأن الدرع يتّقى بها السنان والسيف والسكين والنصل ، فاتقيت الحديد بالحديد ، فجاء الشرع المحمدي ب [أعوذ بك منك] فهذا روح تليين الحديد ، فهو المنتقم الرحيم.
(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣)