لما طلب الحق الشكر على العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ، ليشكر الآل على ما أنعم به على داود ، فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حق آله غير ذلك لطلب المعاوضة ، فقال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) هذا هو الشكر العملي ببذل ما عندهم من نعم الله على المحتاجين من عباده ، فإن الشكر منه لفظي وعلمي وعملي. (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) يعني المبالغة في الشكر لجهلهم بالنعم أنها نعم يجب الشكر عليها ، والشكور من عباد الله ببنية المبالغة هم خاصة الله ، الذين يرون جميع ما يكون من الله في حقهم وفي حق عباده نعمة إلهية ، سواء سرّهم ذلك أم ساءهم فهم يشكرون على كل حال ، وهذا الصنف قليل بالوجود وبتعريف الله إيانا بقلتهم ، فإنهم يعملون ما تعيّن على جميع الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة في كل حال بما يليق به ، وفي كل زمان بما يليق به ، مما أمر به الله تعالى ، والمبالغة في الشكر هو أن يشكر الله حق الشكر ، وذلك بأن يرى النعمة منه ، ذكر ابن ماجة في سننه حديثا وهو [أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى موسى اشكرني حق الشكر ، فقال موسى عليهالسلام : ومن يقدر على ذلك يا رب؟ فقال له : إذا رأيت النعمة مني فقد شكرتني] فمن لا يرى النعمة إلا منه فقد شكره حق الشكر ، ألا تراها من الأسباب التي سدلها بينك وبينه عند إرداف النعم ، وهذا هو الشكر العلمي ، وأما الشكر اللفظي فهو الثناء على الله بما يكون منه ، وأما الشاكرون من العباد فهم الذين يشكرون الله على المسمى نعمة في العرف خاصة ، لما بشّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر تنفل حتى تورمت قدماه ، فسئل في ذلك فقال : [أفلا أكون عبدا شكورا] وعبادة الشكر عبادة مغفول عنها ، ولهذا قال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) وما بأيدي الناس من عبادة الشكر على النعماء إلا قولهم : الحمد لله والشكر لله ، لفظ ما فيه كلفة ، وأهل الله يزيدون على مثل هذا اللفظ العمل بالأبدان والتوجه بالهمم ، قال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) ولم يقل قولوا ، والأمة المحمدية أولى بهذه الصفة من كل أمة ، إذ كانت خير أمة أخرجت للناس فقال تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ببنية المبالغة ، ليعم شكر التكليف وشكر التبرع ، فشكر التبرع [أفلا أكون عبدا شكورا] قول النبي صلىاللهعليهوسلم ، وشكر التكليف ما وقع به الأمر مثل (واشكروا الله) (واشكروا نعمة الله) وبين الشكرين ما بين الشكورين.