يحفظ على كل شيء حكم التغيير ، وحفظ الله للعالم إنما هو لبقاء الثناء عليه بلسان المحدثات ، بالتنزيه عما هي عليه من الافتقار ، فلم يكن الحفظ للاهتمام به ولا للعناية ، بل ليكون مجلاه ، وليظهر أحكام أسمائه ، والحفظ لا يكون إلا ممن لا يغالب على محفوظه ولا يقاوى على حفظه ، فلا يزال العالم محفوظا بالله ، ولا يزال حافظا له ، فلو انقطع الحفظ لزال العالم.
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٣)
(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وقد أذن الله تعالى لنا بالصلاة على الميت ، وهو لا يأذن وفي نفسه أن لا يقبل سؤال السائل ، فقد أذن لنا أن نشفع فيه بالصلاة عليه ، فقد تحققنا الإجابة بلا شك ، والصلاة على الميت شفاعة من المصلي عليه عند ربه ، ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضى الحق أن يشفع فيه ، ولم يرتض سبحانه من عباده إلا العصاة من أهل التوحيد ، سواء كان عن دليل أو إيمان ، ولهذا شرع تلقين الميت ليكون الشفيع على علم بتوحيد من يشفع فيه ، وكل من قال إن الميت إذا كان من أهل الصلاة عليه وصلي عليه لا تقبل الشفاعة فما عنده خبر جملة واحدة ، لا والله ، بل ذلك الميت سعيد بلا شك ، ولو كانت ذنوبه عدد الرمل والحصى والتراب ، أما المختصة بالله من ذلك فمغفورة ، وأما ما يختص بمظالم العباد فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة ، فعلى كل حال لا بد من الخير ولو بعد حين ، ولهذا ينبغي للمصلي على الميت إذا شفع في صلاته عند الله أن لا يخص جناية بعينها ، وليعم ذكره ما ينطلق عليه به أنه مسيء إساءة تحول بينه وبين سعادته ، وليسأل الله التجاوز عن سيئاته مطلقا ، وأن يعترف عن الميت بجميع السيئات ، وإن لم يحضر المصلي التعميم في ذلك فإن الله إن شاء عمه بالتجاوز ، وإن شاء عامل الميت بحسب ما وقعت فيه الشفاعة من الشافع ، ولهذا ينبغي للمصلي على الميت أن يسأل الله له في التخليص من العذاب ،