التشبيه ، ولكن هكذا نسمع ، فجاؤوا في ذكرهم بالاسم العلي في كبريائه إن كان من قولهم ، فإنه محتمل أن يكون قول الله (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) أو يكون حكاية الحق عن قولهم ، والعالون الذين قال الله فيهم لإبليس لما أبى السجود (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) هم الذين قالوا لهؤلاء الملائكة الذين أفاقوا (رَبَّكُمُ) وهم الذين نادوهم ، وهم العالون ، فلهذا جاء بالاسم العلي ، فمن علم أن للملائكة قلوبا أو علم القلوب ما هي علم أن الله تعالى ما أسمعهم في الوحي الذي أصعقهم إلا ما يناسب من الوحي (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ومن هذه الآية علمنا بتفاضل الملائكة في العلم بالله على بعضهم ، وهو قولهم : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي في العلم بالله ، وذلك لما ورد من الاستفهام في قول من قال منهم (ما ذا) وقد رفعت التهمة عنهم فيما بينهم ، وتصديق بعضهم بعضا ، وانصباغ بعضهم بما عند بعض مما يكون عليه ذلك البعض من صورة العلم بالله ، فيفيد بعضهم بعضا ، وذلك قوله عنهم : (قالُوا الْحَقَّ) ابتداء ، ولم ينازعوا عند ما قال لهم المسؤول (رَبَّكُمُ) ، ثم أقيموا في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فلم يروه إلا في الهوية ، وهي ما غاب عنهم من الحق في عين ما تجلى ، وتلك الهوية هي روح صورة ما تجلى ، فنسبوا إليها أعني إلى الهوية من (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) العلو فقالوا : (وَهُوَ الْعَلِيُّ) عن التقييد في صورة ما تجلى لهم (الْكَبِيرُ) من الكبرياء عن الحصر ، فهو العظيم بذاته ، بخلاف الأسباب المعظمة ، وهو الكبير واضع الأسباب ، وأمرنا بتعظيمها ، ومن لا عظمة له ذاتية لنفسه فعظمته عرض في حكم الزوال ، فالكبير على الإطلاق من غير تقييد ولا مفاضلة هو الله ـ الوجه الثاني ـ في هذه الآية انته كلام الملائكة عند قوله : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ) ثم يقول تعالى : أي فقال الله : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) فهو من قول الله لا من قول الملائكة ، أي هذه النسبة من حيث هويته ، ومن هذه الآية يظهر عجز الملائكة عن معرفة الله تعالى.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥)