والطين] فأعلم بنبوته ، فكان الرسل والأنبياء عليهمالسلام نوابه حتى ظهوره بجمسه صلىاللهعليهوسلم ، فإنه لمّا لم يتقدم في عالم الحس وجود عينه صلىاللهعليهوسلم أولا ، نسب كل شرع إلى من بعث به ، وهو في الحقيقة شرع محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإن كان مفقود العين من حيث لا يعلم ذلك ، كما هو مفقود العين الآن وفي زمان نزول عيسى عليهالسلام ، والحكم بشرعه ، فجميع الشرائع التي كانت في الأمم فهي شرائع محمد صلىاللهعليهوسلم بأيدي نوابه ، فإنه المبعوث إلى الناس كافة ، وما يلزم رؤية شخصه ، فكما وجّه في زمان ظهور جسمه عليا ومعاذا إلى اليمن لتبليغ الدعوة ، كذلك وجّه الرسل والأنبياء إلى أممهم من حين كان نبيا وآدم بين الماء والطين ، فدعا الكل إلى الله تعالى ، فالناس أمته من آدم إلى يوم القيامة ، وجميع الرسل نوابه بلا شك ، فلما ظهر بنفسه لم يبق حكم إلا له ، ولا حاكم إلا رجع إليه ، وأما نسخ الله بشرعه جميع الشرائع فلا يخرج هذا النسخ ما تقدم من الشرائع أن تكون من شرعه ، فإن الله قد أشهدنا في شرعه الظاهر المنزل به صلىاللهعليهوسلم في القرآن والسنة النسخ ، مع إجماعنا واتفاقنا على أن ذلك المنسوخ شرعه الذي بعث به إلينا ، فنسخ بالمتأخر المتقدم ، فكان تنبيها لنا هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة على أن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له ، وكان نزول عيسى عليهالسلام في آخر الزمان حاكما بغير شرعه أو بعضه الذي كان عليه في زمان رسالته ، وحكمه بالشرع المحمدي المقرر اليوم دليلا على أنه لا حكم لأحد اليوم من الأنبياء عليهمالسلام مع وجود ما قرره صلىاللهعليهوسلم في شرعه ، ويدخل في ذلك ما هم عليه أهل الذمة من أهل الكتاب ، ما داموا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن حكم الشرائع على الأحوال فخرج من هذا المجموع كله أنه ملك وسيد على جميع بني آدم ، وأن جميع من تقدمه كان ملكا له وتبعا ، والحاكمون فيه نواب عنه ، فبعثته العامة إشعار بأن جميع ما تقدمه من الشرائع بالزمان إنما هو من شرعه ، فنسخ ببعثته منها ما نسخ وأبقى منها ما أبقى ، كما نسخ ما قد كان أثبته حكما ، فإن قيل فقوله صلىاللهعليهوسلم : [لا تفضلوني] فالجواب : نحن ما فضلناه بل الله فضله ، فإن ذلك ليس لنا ، وإن كان قد ورد (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) لما ذكر الأنبياء عليهمالسلام فهو صحيح ، فإنه قال فبهداهم وهداهم من الله ، وهو شرعه صلىاللهعليهوسلم ، أي الزم شرعك الذي ظهر به نوابك من إقامة الدين ولا تتفرقوا فيه ، فلم يقل : فبهم اقتده ، وفي قوله : (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) تنبيه على أحدية الشرائع ،