وقوله : (اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) وهو الدين ، فهو مأمور باتباع الدين ، فإن الدين إنما هو من الله لا من غيره ، وانظر قوله عليهالسلام : [لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني] فأضاف الاتباع إليه ، وأمر صلىاللهعليهوسلم باتباع الدين وهدى الأنبياء لا بهم ، فإن الإمام الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له ، فإذا غاب حكم النواب بمراسمه ، فهو الحاكم غيبا وشهادة ، ومن ذلك كونه صلىاللهعليهوسلم أوتي جوامع الكلم ، والعالم كلمات الله ، فقد آتاه الله الحكم في كلماته ، وعمّ وختم به الرسالة والنبوة ، كما بدأ به باطنا ختم به ظاهرا ، فله الأمر النبوي من قبل ومن بعد ـ نصيحة ـ اعلم أن الرسل أعدل الناس مزاجا لقبولهم رسالات ربهم ، وكل شخص منهم قبل من الرسالة قدر ما أعطاه الله في مزاجه من التركيب ، فما من نبي إلا بعث خاصة إلى قوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور وإن محمدا صلىاللهعليهوسلم ما بعثه إلا برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، ولا قبل مثل هذه الرسالة إلا لكونه على مزاج يحوي على مزاج كل نبي ورسول ، فهو أعدل الأمزجة وأكملها وأقوم النشآت ، فإذا علمت هذا وأردت أن ترى الحق على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فاعلم أنك ليس لك ولا أنت على مثل هذا المزاج الذي لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وأن الحق مهما تجلى لك في مرآة قلبك فإنما تظهره لك مرآتك على قدر مزاجها وصورة شكلها ، وقد علمت نزولك عن الدرجة التي صحت لمحمد صلىاللهعليهوسلم في العلم بربه في نشأته ، فالزم الإيمان والاتباع ، واجعله أمامك مثل المرآة التي تنظر فيها صورتك وصورة غيرك ، فإذا فعلت هذا علمت أن الله تعالى لا بد أن يتجلى لمحمد صلىاللهعليهوسلم في مرآته ، والمرآة لها أثر في ناظر الرائي في المرئي ، فيكون ظهور الحق في مرآة محمد صلىاللهعليهوسلم أكمل ظهور وأعدله وأحسنه ، لما هي مرآته عليه ، فإذا أدركته في مرآة محمد صلىاللهعليهوسلم فقد أدركت منه كمالا لم تدركه من حيث نظرك في مرآتك ، ألا ترى في باب الإيمان وما جاء في الرسالة من الأمور التي نسب الحق لنفسه بلسان الشرع مما تحيله العقول؟ ولو لا الشرع والإيمان به لما قبلنا من ذلك من حيث نظرنا العقلي شيئا البتة ، بل نرده ابتداء ونجهّل القائل به ، فكما أعطاه بالرسالة والإيمان ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق ، كذلك قصرت أمزجتنا ومرائي عقولنا عند المشاهدة عن إدراك ما تجلى في مرآة محمد صلىاللهعليهوسلم أن تدركه في مرآتها ، وكما آمنت به في الرسالة غيبا شهدته في هذا التجلي النبوي عينا ، فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ، فلا تطلب مشاهدة الحق