صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (٣٧)
القربات إلى الله لا تعلم إلا من الله ، ليس للعقل فيها حكم بوجه من الوجوه ، فإذا شرع الشارع القربات فهي على حد ما شرع ، وما منع من ذلك أن يكون قربة فليس للعقل أن يجعلها قربة ، لذلك قال تعالى : (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) ـ إشارة ـ لم يحصل له أمان الغرفة ، إلا من قنع في شربه بالغرفة ، فمن اغترف نال الدرجات ، ومن شرب ليرتوي عمّر الدركات ، فما ارتوى من شرب ، وروي من اغترف غرفة بيده وطرب.
(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٣٩)
ـ الوجه الأول ـ الإنفاق إهلاك ، ومن أهلك شيئا فقد فقده ، وفي (يُخْلِفُهُ) قراءتان : بفتح الياء وضمها ، فبالفتح ما أنفقتم من شيء فإن الله يخلفه بهويته ، فإنه ما ينفق حتى يشهد العوض ، فهو إذا فقد الشيء لم يجده ، وإذا لم يجده وجد الله عنده ، فهو يخلفه ، وهو قوله : (وَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) فحيث فنيت الأسباب يوجد الله ، وبالضم كما عاد الضمير على الشيء من يخلفه لا يخلف إلا مثله لا عينه ، فإذا أنفق الإنسان فالله مخلف ، ومن أيقن بالخلف جاد بالأعطية ، وحتى على قراءة الضم فإنه يفيد المعنى الأول ، فأي سبب يكون للمنفق بعد الإنفاق يسد مسد ما أنفقه ، من أمر ظاهر أو باطن ، حتى اليقين أو الاستغناء عن الأمر الذي كان يصل إليه بذلك الذي أنفقه في عين تحصيله لذلك الشيء ، فهو مجعول من هوية الحق ، أو هوية الحق ، فانظر يا أخي كيف جعل هويته خلفا من نفقتك ، وإنك أحييت من تصدقت عليه فأحياك الله به حياة أبدية ، لأنه إن لم يكن الحق حياتك فلا حياة ، فإن قلت : لو كان ذلك لنصب الياء ورفع اللام ، قلنا : الهوية عين الذات ، والهوية تخلف الشيء المتصدق به باسم إلهي تكون به حياة ذلك المنفق ، وأسماؤه