ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٤٦)
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) وهي أن تقوم من أجل الله ، إذا رأيت من فعل الله في كونه ما أمرك أن تقوم له فيه ، إما غيرة وإما تعظيما (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) فقوله في القيام مثنى ، بالله ورسوله ، فإنه من أطاع الرسول قد أطاع الله ، فقمت لله بكتاب أو سنة ، لا تقوم عن هوى نفس ولا غيرة طبيعية ولا تعظيم كوني (وَفُرادى) إما بالله خاصة أو لرسوله خاصة ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : [لا أرى أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول : اتل به عليّ قرآنا ؛ إنه والله لمثل القرآن أو أكثر] فقوله صلىاللهعليهوسلم [أو أكثر] في رفع المنزلة ، فإن القرآن بينه وبين الله فيه الروح الأمين ، والحديث من الله إليه ، ومعلوم أن القرب في الإسناد أعظم من البعد فيه ، ولو بشخص واحد ينقص في الطريق ، فبهذا كان الحديث أكثر من القرآن ، وغايته أن يكون إذا نزل عن هذه الطبقة مثله ، وما عدل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الأكثرية إلا والأمر أكثر بلا شك ، فلا ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب أو السنة وقد يكون قوله : (مَثْنى) يريد به التعاون في القيام لله تعالى في ذلك الأمر ، وصورة التعاون أن الشرع في نفس الأمر أنكر هذا الفعل ممن صدر عنه عليه ، فينبغي للعالم المؤمن أن يقوم مع المشرّع في ذلك فيعينه ، فيكون اثنان هو والشرع ، وفرادى أن يكون هذا المنكر لا يعلم أنه معين للشرع في إنكاره ووعظه ، فيقول قد انفردت بهذا الأمر ، وما هو إلا معين للشرع وللملك الذي يقول بلمته للفاعل لا تفعل ، إذ يقول له الشيطان بلمته افعل ، فيكون مع الملك مثنى ، فإن الملك مكلّف بأن ينهى العبد الذي قد ألزمه الله به أن ينهاه فيما كلفه الله به أن ينهاه عنه ، فيساعده الإنسان على ذلك ، فيكون ممن قام لله في ذلك مثنى ، ويكون هذا الوعظ مع وعظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم مثنى (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) ولا تكون الفكرة إلا في دليل على صدقه أنه رسول من عند الله ، وهذا يعني أنه يوصل إلى معرفة الرسول بالدليل.
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤٧)