ـ الوجه الأول ـ (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) فيما بلغه عن الله إليهم (فَهُوَ لَكُمْ) (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) فإنه تعالى هو الذي استخدمه في التبليغ. واعلم أن أجر التبليغ على قدر ما ناله في البلاغ من المشقة من المخالفين له من أمته التي بعث إليها ، ولما قاساه ، ولا يعلم قدر ذلك من كل رسول إلا الله ، واعلم أن الله تعالى له المنة على عباده بأن هداهم للإيمان برسله ، فوجب شكر الله وحلاوة الرسول ، فيضمنها الله عنهم بأن جعل أجر رسوله صلىاللهعليهوسلم عليه ، وضم في ذلك الأجر ما يجب على المؤمنين من الحلاوة لما هداهم الله به ، وذلك على نوعين : النوع الواحد على قدر معرفتهم بمنزلته ممن أرسله إليهم وهو الله ، فإن الله تعالى فضّل بعضهم على بعض ، والنوع الثاني على قدر ما جاء به في رسالته ، مما هو بشرى لصاحب تلك الصفة التي من قامت به كان سعيدا عند الله ، فما كان ينبغي أن يقابله به ذلك الرجل هو الذي يعطيه الحق ، فإن ساوى حال المؤمن قدر الرسالة كان ، وإن قصر حاله عما تقتضيه تلك الرسالة من التعظيم فإن الله يكرمه ، لا ينظر إلى جهل الجاهل بتعظيم قدرها ، فيوفيه الحق تعالى على قدر علمه فيها ، فانظر ما للرسول عليهالسلام من الأجور ، فأجر التبليغ أجر استحقاق ، وأما من سأل من الصحابة عن أمر من الأمور ، مما لم ينزل فيه قرآن ، فنزل فيه قرآن من أجل سؤاله ، فإن للرسول على ذلك السائل أجر استحقاق ينوب الله عنه فيه ، زائدا على الأجر الذي له من الله ، وأما من رد رسالته من أمته التي بعث إليها فإن له عند الله أيضا أجر المصيبة ، وللمصاب فيما يحب أجر ، فأجره على الله أيضا على عدد من رد ذلك من أمته ، بلغوا ما بلغوا ، وله من أجر المصاب أجر مصائب العصاة ، فإنه نوع من أنواع الرزايا في حقه ، فإنه ما جاء بأمر يطلب العمل به ، إلا والذي يترك العمل به قد عصى ، فللرسول أجر المصيبة والرزية ، وهذا كله على الله الوفاء به لكل رسول ـ الوجه الثاني ـ (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) فإن الله تعالى اختص محمدا صلىاللهعليهوسلم بفضيلة لم ينلها غيره من الرسل ، فإنه تعالى قال لكل رسول (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) وعاد فضل هذه الفضيلة على أمته ، ورجع حكمه صلىاللهعليهوسلم إلى حكم الرسل قبله في إبقاء أجره على الله ، فأمره الحق أن يأخذ أجره الذي له على رسالته من أمته ، وهو أن يوادوا قرابته ، فبعد أن قال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقول لأمته (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) أي على تبليغ ما جئت به إليكم (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ولم يقل إنّه ليس له أجر على الله ولا إنّه