فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هو قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إذ الفطرة هي النور الذي تشق به ظلمة الممكنات ويقع به الفصل بين الصور ، فيقال : هذا ليس هذا ، إذ قد يقال : هذا عين هذا من حيث ما يقع به الاشتراك ، والعالم كله سماء وأرض ليس غير ذلك ، وبالنور ظهرت ، والله مظهرها. فهو نورها ، ففطر السماء والأرض به ، فبه تميزت الأشياء وانفصلت وتعينت في ظهورها ، فما تميزت الأعيان في وجودها إلا بالفطرة التي فصلت بين العين ووجودها ، وهو من أغمض ما يتعلق به علم العلماء بالله ، كشفه عسير وزمانه يسير (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) الملائكة من المألكة وهي الرسالة (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) الملائكة أو لو أجنحة على طبقاتها في الأجنحة ، فأعلاهم أقلهم أجنحة ، وأقلهم أجنحة من له جناحان ، فمن الملائكة من له جناحان إلى ستمائة جناح إلى ما فوق ذلك ، وأجنحة الملائكة للنزول لا للصعود ، وأجنحة الأجسام العنصرية للصعود لا للنزول ، لأن الملائكة تجري بطبعها الذي عليه صورة أجسامها إلى أفلاكها التي عنها كان وجودها ، فإذا نزلت إلى الأرض نزلت طائرة بتلك الأجنحة ، وهي إذا رجعت إلى أفلاكها ترجع بطبعها بحركة طبيعية وإن حركت أجنحتها ، حتى إنّها لو لم تحرك أجنحتها لصعدت إلى مقرها ومقامها بذاتها ، وأجسام الطير العنصري يحرك جناحه للصعود ، ولو ترك تحريك جناحه أو بسطه لنزل إلى الأرض بطبعه ، فما يبسط جناحه في النزول إلا للوزن في النزول ، لأنه إن لم يزن في نزوله وبقي على طبعه تأذى من نزوله لقوة حكم الطبع ، فحركة الجناح في النزول حركة حفظ. واعلم أن الله تعالى ما جعل للأرواح أجنحة إلا للملائكة منهم ، لأنهم السفراء من حضرة الأمر إلى خلقه ، فلا بد لهم من أسباب يكون لهم بها النزول والعروج ، فإن موضوع الحكمة يعطي هذا ، فجعل لهم أجنحة على قدر مراتبهم في الذي يسرون به من حضرة الحق أو يعرجون إليه من حضرة الخلق ، فهم بين الخلق والأمر يترددون ، ولذلك قالوا : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) فإذا نزلت هذه السفرة على القلوب فإن رأتها قلوبا طاهرة قابلة للخير أعطتها من علم ما جاءت به على قدر ما يسعها استعدادها ، وإن رأتها قلوبا دنسة ليس فيها خير نهتها عن البقاء على تلك الحال وأمرتها بالطهارة بما نص لها الشارع ، إن كان في العلم بالله فبالعلم به مما يطلبه الفكر وجاء به الخبر النبوي عن الله ، وإن كان في الأكوان فبعلم الأحكام واعتقاداتها ، واعلم أنه ليس