بينه تعالى وبين مريم في إيجاد عيسى ـ دقيقة ـ لما كان وجود عيسى عليهالسلام عن تمثل روح في صورة بشر ولم يكن عن ذكر بشري ، لهذا غلب على أمة عيسى ابن مريم دون سائر الأمم القول بالصورة ، فيصورون في كنائسهم مثلا ويتعبدون في أنفسهم بالتوجه إليها ، فإن أصل نبيهم عليهالسلام كان عن تمثل ، فسرت تلك الحقيقة في أمته إلى الآن.
(قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (١٨)
لما تمثل جبريل لمريم عليهاالسلام بشرا سويا ، تخيلت أنه يريد مواقعتها ، فاستعاذت منه ، استعاذت بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.
(قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) (١٩)
(قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) جئت (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) تمثل الملك لمريم بشرا سويا وجعله الحق تعالى روحا ، إذ كان جبريل روحا ، فوهبها عيسى عليهالسلام ، فكان انفعال عيسى عن الملك الممثل في صورة الرجل ، ولذلك خرج على صورة أبيه ، إذ كل مؤثّر أب وكل مؤثّر فيه أم ، والمتولد من ذلك يسمى ابنا ومولدا ، فخرج عيسى ذكرا بشرا روحا ، فجمع بين الصورتين اللتين كان عليهما أبوه الذي هو الملك ، فإنه روح في عينه بشر من حيث تمثله في صورة البشر ، فما تكون عيسى إلا عن اثنين ، فجبريل وهب لمريم عيسى في النفخ كما ينفخ الروح في الصورة عند تسويتها ، فصورة عيسى مثل تجسد الأرواح لأنه عن تمثل ، فلو تفطنت لخلق عيسى لرأيت علما عظيما تقصر عنه أفهام العقلاء ، وهو التحاق البشر بالروحاني والتحاق الروحاني بصورة البشر ، فخرج عيسى على صورة جبريل في المعنى والاسم والصورة ، ففي الصورة كان بشرا لتمثل جبريل في صورة البشر ، وفي الاسم فإن عيسى سمي روحا وجبريل من أسمائه الروح ، وفي المعنى فكان يحيي الموتى كما يحيي جبريل.
(قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) (٢٠)