(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣)
أجمع الرب والمربوب على أن الله خالق والعبد مخلوق ، ولما كان العابد في أصل كونه مفتقرا إلى سبب فلم يخرج عن حقيقته ، وسببه رزقه الذي به بقاء عينه ، فتخيله المحجوب في الأسباب الموضوعة ، وهو تخيل صحيح أنه في الأسباب الموضوعة ، لكن بحكم الجعل لا بحكم ذاتها ، فجاعل كونها رزقا هو الله الذي يرزقكم (مِنَ السَّماءِ) بما ينزل منها من أرزاق الأرواح (وَالْأَرْضِ) بما يخرج منها من أرزاق الأجسام ، فهو الرزاق الذي بيده الرزق ، فقال تعالى منبها (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فهذا هو التوحيد الخامس والعشرون في القرآن ، وهو توحيد العلة ، وهو من توحيد الهوية ، لو لم يوحّد بالعلة كما يوحّد بغيرها لم يكن إلها ، لأن من شأن الإله أن لا يخرج عنه وجود شيء ، إذ لو خرج عنه لم يكن له حكم فيه ، فلما أرسل الله الحجب على بعض أبصار عباد الله ولم يدركوا إلا مسمى الرزق لا مسمى الرزاق ، قالوا هذا ، فقيل لهم ما هو هذا ، هو في هذا مجعول من الذي خلقكم ، فكما خلقكم هو رزقكم ، فلا تعدلوا به ما هو له ومنه ، فأنتم ومن اعتمدتم عليه سواء ، فلا تعتمدوا على أمثالكم.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٦)
ـ إشارة ـ وقفت على واحد من عقلاء المجانين ، والناس قد اجتمعوا عليه وهو ينظر