القربة إلى الله ، وفيه جميع ما قالت اليهود والنصارى في حق الله من الكفر والسب ، وهي كلمات كفر عاد وبالها على قائلها ، وبقيت الكلمات على بابها تتولى يوم القيامة عذاب أصحابها أو نعيمهم ـ الوجه الثاني ـ إن الكلمة إذا خرجت تجسدت في صورة ما هي عليه من طيب وخبث ، فالخبيث يبقى فيما تجسد فيه ما له من صعود ، والطيب من الكلم إذا ظهرت صورته وتشكلت ، فإن كانت الكلمة الطيبة تقتضي عملا وعمل صاحبها بذلك العمل ، أنشأ الله من عمله براقا ـ أي مركوبا ـ لهذه الكلمة ، فيصعد به هذا العمل إلى الله صعود رفعة يتميز بها عن الكلم الخبيث ، فقوله تعالى : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أي الأعمال تظهر في صورة مراكب للأرواح الطيبة ، فهو براق الكلم الطيب الذي يسري به إليه تعالى وينزل به عليه ، فإن كانت الأعمال صالحة صعدت ورفعت الروح الطيبة إلى درجاتها حيث كانت من عليين ـ إشارة ـ ما ثمّ إلا عبد ورب ، فإليه تصعد وإليك ينزل كما قال : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) وقال : [ينزل ربنا إلى السماء الدنيا].
(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٢)
راجع سورة الفرقان آية رقم ٥٣ (عَذْبٌ فُراتٌ) عذب من اللذة ، فهو صفة الماء (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) اعلم أن الله عزوجل ما جعل التكوينات التي هي دواب البحر في البحر الملح إلا في العذب منه خاصة ، فلو لا وجود الهواء فيه والماء العذب ما تكون فيه حيوان (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) يكون الجوهر في الصدف عن ماء فرات في ملح أجاج ، فصدفته جسمه وملحه طبيعته ، ولهذا ظهر حكم الطبيعة في صدفته فإن الملحة