قد تسمى بكل ما يفتقر إليه في الحقيقة ، ودليلهم هذه الآية ، وهي تنبيه من الله إلى الناس لعلمه بفقرهم إليه ، فإن أحدا ما افتقر إلا إلى الله ، فمن فتح الله عين فهمه في القرآن وعلم أنه الصدق والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، علم أن الأسباب التي يفتقر إليها الإنسان إنما هي صور تجل حجبت الخلائق عن الله تعالى ، وقد تسمى الله في هذه الآية بكل ما يفتقر إليه ، فكل ما يفتقر إليه فهو اسم الله تعالى ، إذ لا فقر إلا إليه ، وإن لم يطلق عليه لفظ من ذلك فنحن إنما نعتبر المعاني التي تفيد العلوم ، وأما التحجير في الإطلاق عليه سبحانه فذلك إلى الله ، فما اقتصر عليه من الألفاظ في الإطلاق اقتصرنا عليه ، فإنا لا نسميه إلا بما سمى به نفسه ، وما منع من ذلك منعناه أدبا مع الله ، فالحق تعالى يقبل صفات الخلق لا أسماءه بالتفصيل ، ولكن يقبلها بالإجمال ، وكونه لا يقبل أسماء العالم بالتفصيل ، أعني بذلك أسماء الأعلام ، وما عدا الأسماء الأعلام فيقبلها الحق على التفصيل ، فإن الحق ما له اسم علم لا يدل على معنى سوى ذاته ، فكل أسمائه مشتقة تنزلت له منزلة الأعلام ، وتدل هذه الآية على سر الاقتدار الإلهي في كل شيء ، فلا شيء ينفع إلا به ، ولا يضر إلا به ، ولا ينطق إلا به ، ولا يتحرك إلا به ، وحجب العالم بالصور فنسبوا كل ذلك إلى أنفسهم وإلى الأشياء ، وكلام الله حق وهو خبر ، ومثل هذه الأخبار لا يدخلها النسخ ، فلا فقر إلا إلى الله ، فإن في فطرة كل إنسان افتقارا لموجود يستند إليه وهو الله ، فيقول الحق للناس : ذلك الافتقار الذي تجدونه في أنفسكم متعلقه الله لا غيره ، وفي هذه الآية تسمى الحق لنا باسم كل ما يفتقر إليه غيرة منه أن يفتقر إلى غيره ، وكان في هذا الخطاب هجاء للناس ، حيث لم يعرفوا ذلك إلا بعد التعريف الإلهي في الخطاب الشرعي على ألسنة الرسل عليهمالسلام ، ومع هذا أنكر ذلك خلق كثير ، وخصوه بأمور معينة يفتقر إليه فيها ، لا في كل الأمور من اللوازم التابعة للوجود ، التي تعرض مع الآنات للخلق ، وكان ينبغي لنا لو كنا متحققين بفهم هذه الآية أن نبكي بدل الدموع دما ، حيث جهلنا هذا الأمر من نفوسنا إلى أن وقع به التعريف الإلهي ، فكيف حال من أنكره وتأوله وخصصه؟ فإن الإنسان وإن كان في نفس الأمر عبدا ، ويجد في نفسه ما هو عليه من العجز والضعف ، والافتقار إلى أدنى الأشياء ، والتألم من قرصة البرغوث ، ويعرف هذا كله من نفسه ذوقا ، ومع هذا فإنه يظهر بالرياسة والتقدم ، وكلما تمكن من التأثير في غيره فإنه يؤثر ، ويجد