الذم عدم ، فلا يجد متعلقا ، فيذهب ويبقى الحمد لمن هو له ، فلا يبقى لهذا اللفظ المعيّن إلا وجه الحمد عند الكشف ، ويذهب عنه وجه الذم ، أي ينكشف له أن لا وجه للذم ، فعادت عواقب الثناء إلى الله عزوجل ، وأما من كونه حامدا فمن حيث أنه حمد نفسه بنفسه ، فالله هو الغني الذي لا يفتقر ، الحميد الذي ترجع إليه عواقب الثناء من الحامد والمحمود. ومبدأ الحمد غنى الحق عن العالمين ، وقدّم الفقر على الغنى في اللفظ ، لأن مبدأ الحمد من الخلق هو الافتقار إلى الحق تعالى ، وغنى الحق مقدّم في المعنى على فقر الخلق إليه ، فإن الغنى عن الخلق لله أزلا ، والفقر للممكن في حال عدمه إلى الله من حيث غناه أزلا ، واعلم أن الحمد لله تملأ الميزان ، لأنه كل ما في الميزان فهو ثناء على الله وحمد لله ، فما ملأ الميزان إلا الحمد ، فالتسبيح حمد وكذلك التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم والتوقير والتعزيز ، وأمثال ذلك كله حمد ، فالحمد لله هو العام الذي لا أعم منه ، وكل ذكر فهو جزء منه ، والحمد على ثلاثة أنحاء في التمام والكمال ، وأتمها واحد منها ، وذلك حمد الحامد نفسه يتطرق إليه الاحتمال ، فلا يكون له ذلك الكمال ، فيحتاج إلى قرينة حال وعلم يصدق الحامد فيما حمد به نفسه ، فإنه قد يصف واصف نفسه بما ليس هو عليه ، وكذلك حكمه إذا حمده غيره يتطرق أيضا إليه الاحتمال ، حتى يستكشف عن ذلك ، فينقص عن درجة الإبانة والتحقيق ، والحمد الثالث حمد الحمد ، وما في المحامد أصدق منه ، فإنه عين قيام الصفة به ، فلا محمود إلا من حمده الحمد ، لا من حمد نفسه ولا من حمده غيره ، فإذا كان عين الصفة عين الموصوف عين الواصف كان الحمد عين الحامد والمحمود ، وليس إلا الله ، فهو عين حمده سواء أضيف ذلك الحمد إليه أو إلى غيره ـ بحث في الغنى بالله ـ يرى البعض أن الغنى بالله تعالى من أعظم المراتب ، وحجبهم ذلك عن التحقيق بالتنبيه على الفقر إلى الله الذي هو صفتهم الحقيقية ، فجعلوها في الغنى بالله بحكم التضمين ، لمحبتهم في الغنى الذي هو خروج عن صفتهم ، والرجل إنما هو من عرف قدره ، وتحقق بصفته ولم يخرج عن موطنه ، وأبقى على نفسه خلعة ربه ولقبه واسمه الذي لقبه به وسماه ، فقال : (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وكان غاية الغنى في العبد أن يستغني بالله عما سواه ، وليس ذلك عندنا مقاما محمودا ، فإن في ذلك قدرا لما سوى الحق ، وتميزا عن نفسه ، فلرعونة النفس وجهالتها أرادت أن تشارك ربها في اسم الغني ، فرأت أن تتسمى بالغني بالله ، وتتصف