المخالفة ولا نور الموافقة.
(وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٢٤)
(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) كل أمة على حسب ما تعطيه حقيقتها وتقبل رقيقتها ، فإن الله تعالى يقول : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) فألحق البهائم بالأمم وحكم بذلك وعمّ ، وكل أمة في أفقها ناطقة وفي أوجها عاشقة ، فليس في الوجود جماد ولا حيوان إلا ناطق بلسان ، لسان ذات لا لسان حال ، والقائل بخلاف هذا قائل محال ، وفي كل أمة من الأمم نذير من جنسها على حسب نفسها ، فعمت الشرائع جميع الخلائق ، فنكّر الأمة ونكّر النذير ، والنذير قد يكون لكل واحد منهم نذير في ذاته ، وقد يكون للنوع من جنسه ، لا بد من ذلك ، من حيث لا يعلمه ولا يشهده إلا من أشهده الله ، وهذه الآية ليست بنص في الرسالة إنما هي نص أن في كل أمة عالما بالله وبأمور الآخرة ، وذلك هو النبي لا الرسول ، ولو كان الرسول لقال : إليها ، ولم يقل : فيها ، ونحن نقول : إنه كان فيما قبل نوح عليهالسلام ـ وهو أول رسول ـ أنبياء عالمون بالله ، ومن شاء وافقهم ودخل معهم في دينهم وتحت حكم شريعتهم كان ، ومن لم يشأ لم يكلف ذلك ، وكان إدريس عليهالسلام منهم ، وما من شيء في الوجود إلا وهو أمة من الأمم ، فإنه تعالى ما يعذب ابتداء ولكن يعذب جزاء ، فإن الرحمة لا تقتضي في العذاب إلا الجزاء للتطهير ، ولو لا التطهير ما وقع العذاب ، وقد [قال صلىاللهعليهوسلم في الكلاب : إنها أمة من الأمم] فعمت الرسالة الإلهية جميع الأمم ، صغيرهم وكبيرهم ، فما من أمة إلا وهي تحت خطاب إلهي على لسان نذير بعث إليها منها وفيها ، فإن كل جنس من خلق الله أمة من الأمم ، فطرهم الله على عبادة تخصهم أوحى بها إليهم في نفوسهم ، فرسولهم من ذواتهم ، إعلام من الله بإلهام خاص جبلهم عليه ، كعلم بعض الحيوانات بأشياء يقصر عن إدراكها المهندس النحرير ، وعلمهم على الإطلاق بمنافعهم فيما يتناولونه من الحشائش والمآكل وتجنب ما يضرهم من ذلك ، كل ذلك