في فطرتهم ، أما قوله تعالى : (نَذِيرٌ) أي يقوم بسياستها لبقاء المصلحة في حقها ، سواء كان ذلك الشرع إلهيا أو سياسيا ، على كل حال تقع المصلحة به ، في القرن الذي يظهر فيه ، وذلك بالنسبة للبشر ، فهو إما نذير بأمر الله وإرادته ، أو نذير بإرادة الله لا بوحي نزل عليه يعلم به أنه من عند الله ، فما من طائفة إلا وهي تحت ناموس شرعي حكمي أو وضع حكمي ، فلا تخلو أمة من مخالفة تقع منها لناموسها كان ما كان ، فقد عمت النواميس جميع الأمم.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) (٢٥)
ولما أراد الله إصلاح خلقه |
|
وكان بهم داء الطمأنينة اصطفى |
إماما كريما منهم متطلعا |
|
لأسرار أرواح العلا متشوفا |
فأنزله فيهم طبيبا محكما |
|
أمينا عليما بالسقام وبالشفا |
وجاء بآيات تؤيد صدقه |
|
تراها برأي العين إن كنت منصفا |
فأنقذنا من لفح نار تسعرت |
|
وكنا لعمر الله منها على شفا |
وأظهر أسرارا وأبدى سبيلها |
|
لتحصيلها من بعد ما كان قد عفا |
سبب وضع الشريعة في العالم أمران فيهما سران : الأمر الواحد صلاح العالم ، وهو منهج الأنبياء ، ويؤيده قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ، وسره أن نصر المؤمنين حق عليه ، والأمر الآخر ، إثبات ذل العبودية ، وظهور عز الربوبية ، وسره حكم سلطان اسميه (المعز المذل) ، فتنبه لما رمزناه ، وفك المعمّى الذي لغزناه ، الطمأنينة بما لا حقيقة له توجب التكليف ، وما ثمّ شيء إلا وله حقيقة فقد لزمك الوقوف ، ما من أمة إلا قد اطمأنت ، فلما جاءتها الرسالة أنّت لعبئها ثم حنّت ، لو لا الوعيد والوعد ، ما سعي في الوفاء بالعهد ، فالحقائق لها رقائق ، غاب عنها أهل العلائق والعوائق ، والحال علاقة المريد ، وحب الكشف نهاية من لم يذق لذة المزيد ، وكل من شاهد أمرا ليس ذلك المشهود عليه ، فذلك