الأمر فيه وراجع إليه ، فليحذر أن يقول : إنه في الكون الخارج لا محالة ، فيثبت عند المحققين محاله ، ومن لم يفرق بين نفسه وغيره ، فلا يميز بين شره وخيره ، فهذا سبب وضع الشرع ، الموافق للعقل والطبع.
(ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٢٧)
إن الزرقة التي ننسبها إلى السماء ونصفها بها فتلك اللونية لجرم السماء لبعدها عنك في الإدراك البصري ، كما ترى الجبال إذا بعدت عنك زرقا ، وليس الزرقة إلا لبعدها عن نظر العين ، كما ترى الجبل البعيد عن نظرك أسود ، فإذا جئته قد لا يكون كما أبصرته ، فإن الألوان على قسمين : لون يقوم بجسم المتلون ، ولون يحدث للبصر عند نظره إلى الجسم لأمر عارض يقوم بين الرائي والمرئي ، مثل هذا ومثل الألوان التي تحدث في المتلون باللون الحقيقي ، لهيئات تطرأ فيراها الناظر على غير لونها القائم بها الذي يعرفه.
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (٢٨)
الخشية من خصائص العلماء بالله المرضي عنهم المطلوب منهم الرضى ، قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) فالخشية من صفات العلم الذي يعطي الخشية اللازمة له ، وعلى قدر العلم بها تكون الخشية المنسوبة إلى العالم ، فالعلم يورث الخشية والخشية تعطي الخشوع ، وهذه صفة العلماء العارفين بالله ، لعلمهم بأنه يعلم حركاتهم وسكناتهم على التعيين والتفصيل ، وكل عالم عندنا لم تظهر عليه ثمرة علمه ولا حكم عليه علمه فليس بعالم ، وإنما هو ناقل ، وأتمم الله هذه الآية بقوله : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) وعزته