امتناعه ، فهو الذي يخاف ويرجى ويسأل ويجيب إن شاء وإن شاء ، فهو عزيز عن أن يتصف بالخوف والرجاء وعن مثل هذا ، وهو أيضا عزيز أي يمتنع أن يؤثر فيه أمر يحول بينه وبين عموم مغفرته على عباده ، ولذلك قال (غَفُورٌ) بما ستر ، وجاء ببنية المبالغة في الغفران بعمومها ، فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم ، فإنه لما كانت علوم الله وأسراره الراجعة إليه تعالى وإلى أسمائه وإلى العالم قد سترها عن الخلق كلهم بالمجموع ، فلا يعلم المجموع ولا واحد من الخلق ، لكن له العلم بالآحاد ، فعند واحد ما ليس عند الآخر ، فهو بالمجموع حاصل لا حاصل ، فهو حاصل عند المجموع غير حاصل عند واحد ، فعند واحد من العلم بالله ما ليس عند الآخر ، فلذلك قال : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) (٢٩)
(وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) خرج مسلم عن جرير بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة ، مجتابي النمار متقلدين السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فتمعر وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن ، وأقام فصلى بهم ثم خطب فقال : [يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره ، حتى قال : ولو بشق تمرة ، قال : فجاء رجل بصرة من الأنصار تكاد كفه تعجز عنها ، بل عجزت ، قال : ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتهلل كأنه مذهبة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينتقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينتقص من أوزارهم شيئا] وإخفاء الصدقة شرط في نيل