عليك حقا ، ولعينك عليك حقا] فإذا صام الإنسان دائما وسهر ليله ولم ينم ، فقد ظلم نفسه في حقها وعينه في حقها ، وذلك الظلم لها من أجلها ، ولهذا قال : (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) فإنه أراد بها العزائم وارتكاب الأشد ، لما عرف منها ومن جنوحها إلى الرخص والبطالة ، وجاءت السّنة بالأمرين لأجل الضعفاء ، فلم يرد الله تعالى بقوله : (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) الظلم المذموم في الشرع ، فإن ذلك ليس بمصطفى ، وأما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد ، وهو الذي يعطي نفسه حقها من راحة الدنيا ، ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها ، في قيامه بين الراحة وأعمال البر ، وهو حال بين حالين ، بين العزيمة والرخصة ، ففي قيام الليل يسمى المقتصد متهجدا ، لأنه يقوم وينام ، وعلى مثل هذا تجري أفعاله ، وأما السابق بالخيرات وهو المبادر إلى الأمر قبل دخول وقته ليكون على أهبة واستعداد ، وإذا دخل الوقت كان متهيأ لأداء فرض الوقت ، لا يمنعه من ذلك مانع ، كالمتوضىء قبل دخول الوقت ، والجالس في المسجد قبل دخول وقت الصلاة ، فإذا دخل الوقت كان على طهارة وفي المسجد ، فيسابق إلى أداء فرضه وهي الصلاة ، وكذلك إن كان له مال أخرج زكاته وعيّنها ليلة فراغ الحول ، ودفعها لربها في أول ساعة من الحول الثاني للعامل الذي يكون عليها ، وكذلك في جميع أفعال البر كلها يبادر إليها ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم لبلال : [بم سبقتني إلى الجنة؟] فقال : بلال ما أحدثت قط إلا توضأت ، ولا توضأت إلا صليت ركعتين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بهما] فهذا وأمثاله من السابق بالخيرات ، وهو كان حال رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين المشركين في شبابه وحداثة سنه ، ولم يكن مكلّفا بشرع ، فانقطع إلى ربه وتحنث وسابق إلى الخيرات ومكارم الأخلاق ، حتى أعطاه الله الرسالة.
القلب بيت وإن العلم يسكنه |
|
بالعلم يحيى فلا تطلب سوى العلم |
ما ثم علم يكون الحق يمنحه |
|
إلا الكتاب لمن قد خص بالفهم |
فيه فتبدو علوم كلها عجب |
|
لكل قلب سليم حائز الحكم |
أو سابق أو إمام ظل مقتصدا |
|
يرجو النجاة فما ينفك عن وهم |
إن النجاة لتأتي القوم طائعة |
|
وتأت قوما إذا جاءت على الرغم |
ـ إشارة ـ قال النبي صلىاللهعليهوسلم [العلماء ورثة الأنبياء] وقال [علماء هذه الأمة أنبياء سائر