المحفوظ لا محو فيه ، كل أمر فيه ثابت ، وهو الذي يرفع إلى الحق ، وأما الذي بأيدي الكتبة ـ وهو قوله صلىاللهعليهوسلم لما ذكر حديث الإسراء فقال : [حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام] ففيه ما يمحو الله وفيه ما يثبت ، على قدر ما تأتي به إليهم رسل الله من عند الله ، من إثبات ما شاء ومحو ما شاء ، ثم ينقل إلى الدفتر الأعلى ، فيقابل باللوح المحفوظ فلا يغادر حرفا ، فتعلم الكتبة عند ذلك أن الله قد أحاط بكل شيء علما ـ الوجه الثاني ـ الإمام المبين هو كتاب فيه ما يتكون عن المكلفين خاصة ، فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف ، وبه تقوم الحجة لله على المكلفين ، وبه يطالبهم ، لا بأم الكتاب الذي فيه القضاء ، فهذا الإمام هو الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى ، الذي أخبرنا الله في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه : احكم بالحق ، يريد هذا الكتاب ، وهو كتاب الإحصاء ، فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وكل صغير وكبير مستطر ـ إشارة لا تفسير ـ إن الإمام على الحقيقة المبين من كان كل شيء مأموما به ، وهذا لا يصح في موجود ما لم يصح له المثلية اللغوية الفرقانية ، فإذا صحت المثلية صح وجود الإمام ، وإذا صح وجود الإمام بطلت الإمامة في حق غيره ، قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وجاء في الخبر [خلق الله آدم على صورته] وقال تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فالعالم أسفله وأعلاه محصي في الإنسان ، فسماه البعض الإمام المبين.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (١٩)