سميت مدة استنارة الجو من مشرق الشمس إلى مغربها نهارا لاتساع النور فيه ، مأخوذ من النهر الذي هو اتساع الماء في المسيل الذي يجري فيه ، ومدة الظلمة من غروب الشمس إلى طلوعها هو الليل ، واليوم مجموع الليل والنهار معا ، وأبان سبحانه أن الليل أم النهار ، وأن النهار متولد عنه ، كما ينسلخ المولود من أمه إذا اخرج منها ، والحية من جلدها فقال : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ) فجعل الليل أصلا ، والنهار كان غيبا فيه ، ثم سلخ منه النهار كما نسلخ الشاة من جلدها ، فكان الظهور لليل والنهار مبطون فيه ، وليس معنى السلخ معنى التكوير ، فالنهار متأخر عن الليل لأنه مسلوخ منه ، ولذلك فإن العرب في الزمان العربي وفي اصطلاحهم وما تواطؤوا عليه يقدمون الليل على النهار ، على عكس العجم الذين حسابهم بالشمس يقدمون النهار على الليل ، ولهم وجه بهذه الآية وهو قوله : (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) وإذا حرف يدل على زمان الحال أو الاستقبال ، ولا يكون الموصوف بأنه مظلم إلا بوجود الليل في هذه الآية ، فكان النهار غطاء عليه ثم سلخ منه أي أزيل ، فإذا هم مظلمون ، أي ظهر الليل الذي حكمه الظلمة ، فإذا الناس مظلمون ، وأعلم الحق تعالى بهذه الآية أن النور مبطون في الظلمة ، فلو لا النور ما كانت الظلمة ، فإنه تعالى لم يقل «نسلخ منه النور» إذ لو أخذ منه النور لانعدم وجود الظلام ، إن كان أخذ عدم ، وإن كان أخذ انتقال تبعه حيث ينتقل ، إذ هو عين ذاته ، والنهار من بعض الأنوار المتولدة عن شروق الشمس ، فلو لا أن للظلمة نورا ذاتيا لها ما صح أن تكون ظرفا للنهار ، ولا صح أن تدرك ، وهي مدركة ، ولا يدرك الشيء إن لم يكن فيه نور ، ويدرك به من ذاته ، وهو عين وجوده واستعداده بقبول إدراك الأبصار بما فيها من الأنوار له ، واختص الإدراك بالعين عادة ، ومن ذلك نعلم أن الليل ظل النور ، والنهار لما سلخ من الليل ظهر نورا ، فظهرت الأشياء التي كانت مستورة بالليل ، ظهرت بنور النهار ، فلم يشبه النهار الليل وأشبه النور ، فإنه لو سلخ من الظل جميعه أمر ما لخرج على صورة الظل ، والظل على صورة ما هو ظل له ، فالخارج من الظل المسلوخ منه على صورة الشخص ، فلذلك خرج النهار لما سلخ من الليل على صورة النور ، ـ تنبيه هذه هي عملية التصوير الشمسي ـ.
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٣٨)