قرأ ابن مسعود «والشمس تجري لا مستقر لها» وهذا من حكم التقليب ، فترى الشمس التي هي علة الليل والنهار تجري لا مستقر لها ، ليلا ولا نهارا ، فإن الشمس لا مستقر لها عند من علمها وما جهلها ، فيقال : الشمس رجعت في زيادة النهار ونقصه وما عندها رجوع ، بل هي على طريقها ، فمن أغاليط النفس ، القول برجوع الشمس ، وما رجعت ، ولا نزلت ولا ارتفعت ، هي في فلكها سابحة ، غادية رائحة ، غدوها ورواحها حكم البصر ، وما يعطيه في الكرة النظر ، وقرأ غير ابن مسعود (لِمُسْتَقَرٍّ لَها) فلها مستقر يراه عين المؤمن في الإيمان بالخبر ، وكل ذلك صحيح.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩)
(وَالْقَمَرَ) ولم يسمه بدرا ولا هلالا ، فإنه في هاتين الحالتين ما له سوى منزلة واحدة بل اثنتين ، فلا يصدق قوله (مَنازِلَ) إلا في القمر ، فللقمر درج التداني والتدلي ، وله الأخذ بالزيادة والنقص ، فهو يتغير في أحواله (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) مقادير التقاسيم التي في فلك البروج ، عيّنها الحق تعالى لنا ، إذ لم يميزه البصر بهذه المنازل المعينة في الفلك المكوكب ، واسمه فلك المنازل ، وهو من تقدير العزيز العليم ، وجعلها ثماني وعشرين منزلة ، مقسمة على اثني عشر برجا ، فلكل برج منزلتان وثلث ، والقمر أحد السبعة الجواري التي في السموات السبع ، والتي تقطع في فلك البروج بين سريع وبطيء ، ويوم كل كوكب منها بقدر قطعه فلك البروج ، فأسرعها قطعا القمر ، فإن يومه ثمانية وعشرون يوما من أيام الدورة الكبرى التي تقدر بها هذه الأيام ، وهي الأيام المعه دة عند الناس ، فأقصر أيام لكواكب يوم القمر ، ومقداره ثمانية وعشرون يوما مما تعدون ـ بحث في فلك المنازل ـ هو في جوف الفلك الأطلس الذي هو السماء ذات البروج كحلقة في فلاة ، وهذا الفلك أرض الجنة ، والأطلس سماؤها ، وبينهما فضاء لا يعلم منتهاه إلا من أعلمه الله ، وعيّن الله في مقعر هذا الفلك ثماني وعشرين منزلة مع ما أضاف إلى هذه الكواكب التي سميت منازل لقطع السيارة فيها ، ولا فرق بينها وبين سائر الكواكب الأخرى التي ليست بمنازل في سيرها ، وفيما يختص به من الأحكام في نزولها الذي ذكرناه في البروج قال تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) يعني هذه المنازل المعينة في الفلك المكوكب ، وهي كالمنطقة بين الكواكب