أظهر الجميل وستر القبيح] وخلق تعالى في كل سماء عالما من الأرواح والملائكة يعمرونها ، فأما الملائكة فهم السفراء النازلون بمصالح العالم ، وما يحدث عن حركات الكواكب كلها وعن حركة الأطلس لا علم لهؤلاء السفرة بذلك حتى تحدث ، فلكل واحد منهم مقام معلوم لا يتعداه ، وباقي العالم شغلهم التسبيح والصلاة والثناء على الله تعالى ، كل ذلك تقدير من العزيز العليم.
(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٤٠)
الفلك لا يكون إلا مستديرا ، ففي كل سماء فلك وهو الذي تحدثه سباحة كوكب ذلك السماء ، فالكواكب تسبح في أفلاكها ، لكل فلك كوكب ، فعدد الأفلاك بعدد الكواكب ، لذلك قال تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) والأفلاك لو لا سباحة الكواكب ما ظهر لها عين في السموات ، فهي فيها كالطرق في الأرض ، يحدث كونها طريقا بالماشي فيها ، فهي أرض من حيث عينها ، وطريق من حيث المشي فيها ، ودل ذلك على أن الكواكب السابحة تقطع في الثابتة ، والثابتة والسابحة تقطع في الفلك المحيط ، فدل على أن الكواكب الثابتة تقطع في فلك البروج الأطلس ، والفلك الشيء المستدير ، فالكواكب تقطع في فلك واحد وهو فلك البروج ، ولكل واحد منها فلك يخصه يسبح فيه ، لا يشاركه فيه غيره ، وهكذا كل موجود له طريق يخصه لا يسلك عليها أحد غيره روحا وطبعا ، فلا يجتمع اثنان في مزاج واحد أبدا ، ولا يجتمع اثنان في منزلة واحدة أبدا ، فالأمر في جميع المخلوقات وإن جمعهم مقام فإنه يفرقهم مقام ـ إشارة لا تفسير ـ (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) في علو المرتبة والشرف ، فالشمس تشير إلى عالم الشهادة والقمر إلى عالم الغيب ، فإن آية القمر ممحوة عن العالم الظاهر ، وآية الشمس ظاهرة ، فكان ذلك للعارفين تقوية لكتم آياتهم التي أعطاهم الله في بواطنهم وأجراها فيهم.
(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ