رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٥١)
اعلم أن الصور أوجده الله على صورة القرن ، وسمي بالصور من باب تسمية الشيء باسم الشيء ، إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب ، فإن الروح إذا أعرض عن هذا الجسم الذي كانت حياته به ، تجلى على صورة من الصور الذي هو البرزخ ، وهو بالصاد جمع صورة ، فحييت به تلك الصورة في البرزخ ، فلما كان هذا القرن محلا لجميع الصور البرزخية التي تنتقل إليها الأرواح بعد الموت وفي النوم ، سمي صورا جمع صورة ، وشكله شكل القرن أعلاه واسع وأسفله ضيق ، على شكل العالم ، أين سعة العرش من ضيق الأرض؟ وتنتقل القوى مع الروح إلى تلك الصورة البرزخية نوما وموتا ، ولهذا تكون درّاكة بجميع القوى سواء ، ومن هنا زل القائلون بالتناسخ لما رأوا أو سمعوا أن الأنبياء قد نبهت على انتقال الأرواح إلى هذه الصور البرزخية ، وتكون فيها على صورة الأخلاق ، كقوله صلىاللهعليهوسلم في نسمة المؤمن :
إنه طير أخضر ، فرأى أهل التناسخ تلك الأخلاق في الحيوانات ، فتخيلوا في قول الأنبياء والرسل والعلماء أن ذلك راجع إلى هذه الحيوانات التي في الدار الدنيا ، وأنها ترجع إلى التخليص ، وذكروا ما قد علمت من مذهبهم ، فأخطؤوا في النظر وفي تأويل أقوال الرسل وما جاء في ذلك من الكتب المنزلة ، فما أتي عليهم إلا من سوء التأويل في القول الصحيح.