كن في كل زمان صاحب علم وعمل ، وهو الذي حرضك الشرع عليه وأمرك به ، وندبك إليه ، فاسع في نجاة نفسك ونجاة رعيتك بتمشيتهم على الطريقة الواضحة الشرعية ، فإن الله تعالى يقيمهم يوم القيامة شهداء لك بالعدل وحسن النقيبة والسيرة والمعاشرة ، وإن عدلت بهم إلى طريق المخالفات والمحظورات انعكس عليك ، وأوقفهم الحق يوم القيامة شهداء عليك بقبح السيرة وسوء المعاشرة ، فالجوارح شاهد مصدّق يوم القيامة لمن تشهد عليه أو له ، فإن الجسم الذي تولدت عنه النفس الناطقة له من الحق أنها ما دامت مدبرة له لا تحرك جوارحه إلا في طاعة الله تعالى ، في الأماكن والأحوال التي عيّنها الله على لسان الشارع لها ، فهذا ما يستحقه الجسم على النفس الناطقة لما له عليها من حق الولادة ، فمن النفوس من هو ابن بار فيسمع لأبويه ويطيع ، وفي رضاهما رضى الله ، ومن النفوس ما هو ابن عاق فلا يسمع ولا يطيع ، فالجسم لا يأمر النفس إلا بخير ، ولهذا يشهد على ابنه يوم القيامة جلود الجسم وجميع جوارحه ، فإن هذا الابن قهرها وصرفها حيث يهوى ، فلو لا شهادة المرء على نفسه بما شهدت به جلوده وجوارحه ما ثبت كتاب ولا كان حكم ، وما عذب من اعترف ، فإن الكرم الإلهي لا يقتضيه ، والجوارح رعية ما هي الوالي فشكت الوالي.
(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٦٩)
(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) لأنه أرسل مبيّنا مفصّلا ، والشعر من الشعور ، فمحله الإجمال لا التفصيل وهو خلاف البيان ، وقال تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) لقولهم هو شاعر ، فإن الشعر محل الإجمال والرموز والألغاز والتورية ، أي ما رمزنا له شيئا ولا لغزناه ، ولا خاطبناه بشيء ونحن نريد شيئا آخر ، ولا أجملنا له الخطاب ، لأنه تعالى بعثه بالبيان الشافي ، ووضع الشعر ليس على هذا البناء ، وإن كان يقع فيه البيان (وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ) يعني هذا الذي