الإلهي (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) والأيدي ليست سوى أيدي الأسباب ، فهي إضافة تشريف ، لا بل تحقيق ، يقال : ضرب الأمير اللص ، وقطع الأمير يد السارق ، وإنما وقع القطع من يد بعض الوزعة ، والأمر بالقطع من الأمير ، فنسب القطع إلى الأمير ، فأضاف هنا عمل الخلق إلى الأيدي الإلهية وعمّ الأسماء الإلهية بالنون من أيدينا ، وذلك لتمام التشريف الذي شرف به آدم عليهالسلام في إضافة خلقه إلى يديه (أَنْعاماً) وهي من إنعامه عليهم (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) فملكوها بتمليك الله ، بخلاف الإنسان الحيواني ، فإنه يملكها عند نفسه بنفسه ، غافلا عن إنعام الله عليه بذلك ، فيتصرف في المخلوقات الإنسان الحيوان بحكم التبعية ، ويتصرف الإنسان الكامل فيها بحكم التمليك الإلهي ، فتصرفه فيها بيد الله ، فكل مخلوق في العالم فمضاف خلقه إلى يد إلهية ، لأنه قال : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) فجمع كل يد خالقة في العالم ، فهي يده ، يد ملك وتصريف.
(وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (٧٣)
اختص الحيوان في هذه الآية ، بالإذلال لظهور حكم القصد فيه ، ولأنه مستعد للإباية لما هو عليه من الإرادة ، فلما توجه عليه الاسم المذل صار حكمه تحت حكم من لا إرادة له ولا قدرة ، لما تعطي هاتان الصفتان من العز لمن قامتا به ، فالحيوان مسخّر بطريق الإذلال لحمل الأثقال ، أثقال الإنسان وركوبه واستخدامه إياها في مصالحه. واعلم أن البهائم وإن كانت مسخرة مذللة من الله للإنسان ، فلا تغفل عن كونك مسخرا لها بما تقوم به من النظر في مصالحها ، في سقيها وعلفها ، وما يصلح لها من تنظيف أماكنها ، ومباشرة القاذورات والأزبال من أجلها ، ووقايتها من الحر والبرد المؤذيات لها ، فهذا وأمثاله من كون الحق سخرك لها ، وجعل في نفسك الحاجة إليها ، فلا فضل لك عليها بالتسخير ، فإن الله أحوجك إليها أكثر مما أحوجها إليك ، وجعل فيك الحاجة إليها ، وجميع البهائم تفر منك ممن لها آلة الفرار ، وما هذا إلا لاستغنائها عنك ، وما جبلت عليه من العلم بأنك ضار لها ، ثم طلبك لها وبذل مجهودك في تحصيل شيء منها دليل على افتقارك إليها ، فبالله من تكون البهائم أغنى منه كيف