يحصل في نفسه أنه أفضل منها؟! فو الله ما يعرف الأمور إلا من شهدها ذوقا وعاينها ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا] فانظر في تنبيهه صلىاللهعليهوسلم على حسن استعدادهم وسوء استعدادنا ، حتى أنه من كان بهذه المثابة من الفكرة من الموت فغايته أن يحصل له استعداد البهائم ، وهو ثناء على من حصل في هذا المقام وارتفاع في حقه ، وكيف ينظر البهائم دون الإنسان في الاحتقار ، وغاية الثناء عليك من الله أن تشاركها في صفتها.
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) (٧٧)
«فهو خصيم مبين» أي بيّن الخصومة ظاهر بها ، وذلك لدعواه في الربوبية ، وما خلقه الله إلا عبدا ، فلا يتجاوز قدره ، فنازع ربه في ربوبيته ، وما نازعه مخلوق إلا هو ، ووصف خصومته بالإبانة ، فإنه ما من خصام يكون من مخلوق في أمر ما ـ خلاف دعوى الربوبية ـ إلا وهو ممكن أن الحق بيده في ذلك ، ويخفى على السامع والحاكم ، فلا يدري هل الحق معه أو مع خصمه؟ وهل هو صادق في دعواه أو هو كاذب؟ للاحتمال المتطرق في ذلك ، إلا دعواه في الربوبية فإنه يعلم من نفسه ويعلم كل سامع من خلق الله أنه كاذب في دعواه ، وأنه عبد ، ولذلك خلقه الله ، فلهذا قيل فيه (خَصِيمٌ مُبِينٌ) أي ظاهر الظلم في خصومته ، فمن نازع ربه في ربوبيته كيف يكون حاله؟ ثم إن هذا الإنسان ليته يسعى في ذلك في حق نفسه ، فإنه يعلم من نفسه أنه ليس له حظ في الربوبية ، ثم يعترف بالربوبية لخلق من خلق الله ، من حجر أو نبات أو حيوان أو إنسان مثله أو جان أو ملك أو كوكب ، فإنه ما بقي صنف من المخلوقات إلا وقد عبد منه ، وما عبده إلا الإنسان الحيوان ، فأشقى الناس من باع آخرته بدنيا غيره ، ومن هلك فيما لا يحصل بيده منه شيء ، فيشهد على نفسه أنه أجهل الناس بغيره ، وأعلم الناس بنفسه ، لأنه ما ادعاها لنفسه ، ومن ادعاها لنفسه فإنما استخف قومه ، فجميع المخلوقات عبدوا الله إلا بعض الناس ، فالإنسان ألد الخصام ،