افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (١٠٢)
اعلم أن رؤيا الأنبياء وحي ، ولكنه إذا رأى صاحب الرؤيا سواء كان نبيا أو غير نبي الأمر كما هو في نفسه فليس بحلم ، وإنما ذلك كشف لا حلم ، سواء كان في نوم أو يقظة ، كما أن الحلم قد يكون في اليقظة كما هو في النوم ، كصورة دحية التي ظهر بها جبريل عليهالسلام في اليقظة ، فدخلها التأويل ، ولا يدخل التأويل النصوص ، فالحلم في النوم يفسد المعنى عن صورته ، لأنه ألحقه بالحس وليس بمحسوس حتى يراه من لا علم له بأصله فيحكم عليه بما رآه من الصورة التي رآه عليها ، ويجيء العارف بذلك فيعبر تلك الصورة إلى المعنى الذي جاءت له وظهر بها ، فيردها إلى أصلها ، كما أفسد الحلم العلم فأظهره في صورة اللبن وليس بلبن ، فرده رسول الله صلىاللهعليهوسلم بتأويل رؤياه إلى أصله وهو العلم ، فجرد عنه تلك الصورة ، كذلك قول إبراهيم لابنه وقد رأى أنه يذبح ابنه ، فأخذ بالظاهر على أن الأمر كما رآه ، وما كان إلا الكبش ، وهو الذبح العظيم ظهر في صورة ابنه ، فرأى أنه يذبح ابنه فذبح الكبش ، فهو تأويل رؤياه على غير علم منه قال إبراهيم عليهالسلام لابنه (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) والمنام حضرة الخيال ، فلم يعبرها وكان كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم عليهالسلام في المنام ، فصدق إبراهيم الرؤيا ، لأن الأنبياء يعطون العلم في مرائيهم ، العلم في نفس الرؤيا ، فيستغنون عن التأويل لوجود النص في الخطاب البرزخي ، ولذلك لم يحتج إبراهيم إلى تأويل ، بل قال : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) ولذلك قال تعالى : (وَفَدَيْناهُ) يعني تلك الصورة ، وهي ابنه التي رآها إبراهيم عليهالسلام ، ولما بشر إبراهيم عليهالسلام في إجابة دعائه في قوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) ابتلي فيما بشّر به لأنه سأل من الله سواه ، والله غيور ، فابتلاه بذبحه وهو أشد عليه من ابتلائه بنفسه ، وذلك أنه ليس له في نفسه منازع سوى نفسه ، فبأدنى خاطر يردها فيقل جهاده ، وابتلاؤه بذبح ابنه ليس كذلك ، لكثرة المنازعين فيه ، فيكون جهاده أقوى ، ولما ابتلي بذبح ما سأله من ربه ، وتحقق نسبة الابتلاء وصار بحكم الواقعة ، فكأنه قد ذبح وإن كان حيا ، بشّر بإسحاق عليهالسلام من غير سؤال ، فجمع له بين الفداء وبين البدل مع بقاء المبدل منه ، فجمع له بين الكسب والوهب ، فالذبح مكسوب من جهة السؤال وموهوب من جهة الفداء ، فإن فداءه لم يكن