علوا بإجابة الدعوة المشروعة ، وسفلا بإجابة الأمر الإرادي من حيث لا يعلمون إلا بعد وقوع المراد ، فكل شخص من الثقلين ينتهي في سلوكه إلى المقام المعلوم الذي خلق له ، ومنهم شقي وسعيد ، وكل موجود سواهما فمخلوق في مقامه فلم ينزل عنه ، فلم يؤمر بسلوك إليه لأنه فيه ، من ملك وحيوان ونبات ومعدن ، فهو سعيد عند الله لا شقاء يناله ، فقد دخل الثقلان في قول الملائكة (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) عند الله ، ولا يتمكن لمخلوق من العالم أن يكون له علم بمقامه إلا بتعريف إلهي ، لا بكونه فيه ، فإن كل سوى الله ممكن ، ومن شأن الممكن أن لا يقبل مقاما معينا لذاته ، وإنما ذلك لمرجحه بحسب ما سبق في علمه به ، ولذلك يقال في الثقلين : إن المقامات مكاسب ، وهي استيفاء الحقوق المرسومة شرعا على التمام ، فإذا قام العبد في الأوقات بما تعين عليه من المعاملات وصنوف المجاهدات والرياضات التي أمره الشارع أن يقوم بها ، وعيّن نعوتها وأزمانها وما ينبغي لها ، وشروطها التمامية والكمالية الموجبة صحتها ، فحينئذ يكون صاحب مقام.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) (١٦٦)
أثنت الملائكة على أنفسهم بعد معرفتهم وتعريفهم بمقامهم.
(وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) (١٧١)
بما سبقت به المشيئة ، فقد سبقت المشيئة بما سبقت ، وما تعلقت المشيئة الإلهية بكونه فلا بد من كونه ، فالخاتمة هي عين السابقة ، وإنما سميت سابقة من أجل تقديمها على الخاتمة.
(إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (١٧٣)
(لَهُمُ الْغالِبُونَ) لمن نازعه في ملكه ، وهنا أضاف الحق الجند إلى نفسه بضمير الكناية