قد استوى بشر على العراق |
|
من غير سيف ودم مهراق |
فشبهوا استواء الحق على العرش باستواء بشر على العراق ، واستواء بشر محدث ، فشبهوه بالمحدث ، والقديم لا يشبه المحدث ، فقال تعالى تنزيها (عَمَّا يَصِفُونَ) من حيث نظرهم ، واستدلوا بعقولهم أن العلم بالله لا يقبل التحول إلى الجهل ولا الدخول عليه ، وما من دليل عقلي إلا ويقبل الدخل والشبهة ، ولهذا اختلف العقلاء ، فكل واحد من المخالفين عنده دليل مخالفه شبهة لمخالفه ، لكونه خالف دليل هذا الآخر ، فعين أدلتهم هي عين شبهاتهم ، فأين الحق؟ وأين الثقة؟ وأصل الفساد إنما وقع من حيث حكّموا الخلق على الحق الذي أوجدهم ، فمن وصف الحق إنما وصف نفسه ، ولا يعرف منه إلا نفسه ، لأن رب العزة لا يعيّنه وصف ، ولا يقيده نعت ، ولا يدل على حقيقته اسم خاص ، وإن لم يكن الحكم ما ذكرناه فما هو رب العزة ، فإن العزيز هو المنيع الحمى ، ومن يوصل إليه بوجه ما من وصف أو نعت أو علم أو معرفة فليس بمنيع الحمى ، ولذلك عمم بقوله (عَمَّا يَصِفُونَ) فالعلم بالسلب هو العلم بالله سبحانه ، ولله الأسماء ما له الصفات ، فإنه تنزه عن الصفة لا عن الاسم ، فالحق سبحانه لا يعرف في ليس كمثله شيء ، وفيما ذكره في سورة الإخلاص ، وفي عموم قوله بالتسبيح الذي هو التنزيه (رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) والعزة تقتضي المنع أن يوصل إلى معرفته ، وإن كان تعبدنا بما وصف به نفسه شرعا ، فنقرره في موضعه ونقوله كما أمرنا به على جهة القربة إليه ، وما ظفر بالأمر إلا من جمع بين التنزيه والتشبيه ، فقال بالتنزيه من وجه عقلا وشرعا ، وقال بالتشبيه من وجه شرعا لا عقلا ، والشهود يقضي بما جاءت به الرسل إلى أممها في الله ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فكل واصف فإنما هو واقف مع نعت مخصوص ، فينزه الله نفسه عن ذلك النعت من حيث تخصيصه ، لا من حيث أنه له ، فإن له أحدية المجموع لا أحدية كل واحد من المجموع ، والواصف إنما يصفه بأحدية كل واحد من المجموع ، فهو المخاطب أعني من نعته بذلك ، بقوله (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) لذلك ما ورد خبر بالصفات ، لما فيها من الآفات ، ألا ترى من جعله موصوفا ، كيف يقول : إن لم يكن كذلك كان مؤوفا ، وما علم أن الذات إذا قام كمالها على الوصف ، فإنه حكم عليها بالنقص الخالص الصرف ، من لم يكن كماله لذاته ، افتقر بالدليل في الكمال إلى صفاته ، وصفاته ما هي عينه ، فقد جهل