ينزلهم منزلتهم ، فإنهم ما انقادوا إليهم من حيث أعيانهم ، فإنهم أمثالهم ، وإنما انقادوا إلى الذي جاؤوا من عنده ، ونقلوا عنه ما أخبر به عن نفسه على ما يعلم نفسه ، لا على تأويل من وصل إليه ذلك ، فلا يعلم مراد الله فيه إلا بإعلام الله ، فيقف الناظر موقف التسليم لما ورد ، مع فهمه فيه أنه على موضوع ما ، هو في ذلك اللسان الذي جاء به هذا الرسول لا بد من ذلك ، لأنه ما جاء به بهذا اللسان إلا لنعرف أنه على حقيقة ما وضع له ذلك اللفظ في ذلك اللسان ، ولكن تجهل النسبة ، فنسلم إليه علم النسبة مع عقلنا الأدلة بالوضع الاصطلاحي في ذلك اللحن الخاص ، فننقاد إليه كما انقاد المرسلون ، ولهذا قال (عَلَى الْمُرْسَلِينَ) أي واجب عليهم الانقياد بقوله «وسلام» فنكون أمثالهم ، ثمّ قال :
(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٢)
والحمد لله أي عواقب الثناء إذ كل ما جاؤوا به إنما قصدوا به الثناء على الله ، فعواقب الثناء على الله بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى الله ، وعاقب الأمر آخره (رَبِّ الْعالَمِينَ) من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حمد الله رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة ـ إشارة ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة.
(٣٨) سورة ص مكيّة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١)
أقسم الحق تعالى عند ذكر حرف الصاد بمقام جوامع الكلم ، فإن الصاد حرف من حروف الصدق ، والصون ، والصورة ، فهو حرف شريف عظيم ، وتضمنت هذه السورة