من أوصاف الأنبياء عليهمالسلام ومن أسرار العالم كله الخفية عجائب وآيات ، وكل من له نصيب من هذه السورة يحصل له من بركات الأنبياء عليهمالسلام المذكورين في هذه السورة ، ويلحق الأعداء الكفار ما في هذه السورة من البؤس لا من المؤمنين.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (٣)
فإن العطاء عام والنفع خاص ، عم التنادي وما عمت الإباية ، لما لم تقع هنا الإنابة. (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) (٤)
ـ إشارة ـ في حق الرسول صلىاللهعليهوسلم ومنة الله تعالى عليه : كأن الحق تعالى يقول له : عبدي خرقت لك الحجاب ، وأظهرت لك الأمر العجاب ، حتى أتيت قومك باللباب ، فقالوا : ساحر كذاب. عبدي وهبتك أسرار الأخلاق ، وملكتك مفتاح اسمي الخلّاق ، فقال الكافرون : إن هذا إلا اختلاق. عبدي ملكتك سر النون من قولي كن فيكون ، فقالوا : ساحر مجنون ، عبدي أتيتهم بأسرار الكوثر ، فقالوا : إن هذا إلا سحر يؤثر. عبدي أعطتك القوا في زمامها ، ورفعت لك المعاني معارفها وأعلامها ، فجريت سابقا ، في حلبة الناظم والناثر ، فقالوا : ما هذا رسول بل هو شاعر. عبدي كشفت لهم عن النور المبين ، وأطلعتهم على علم اليقين ، فقالوا : إن هذا إلا أساطير الأولين. أما شرح ما في هذه الإشارة ، فقوله : «خرقت لك الحجاب» أي أشهدتك أسرار الغيب ، حتى عرفت ما تعطيه خواص الأشياء في أزمنة مخصوصة ، وقوله : «وهبتك أسرار الأخلاق» هو ما أعطي من جوامع الكلم ، إذ كان القرآن معجزته ، وقوله : «ملكتك سر النون» هو ما يظهر من الرسول من الاقتدار الذي لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى ، من إحياء الموتى وأشباهه ، ويريد «بأسرار الكوثر» علما خاصا ، كما أن الكوثر خاصة مائه أنه من شرب منه لا يظمأ ، فكذلك هذا العلم الذي هو بهذه المثابة ، من شرب منه ما يروى ، قوله : «أعطتك القوافي زمامها والمعاني» إلى آخر الفصل ، يريد دلالة الألفاظ بحكم التطابق على المعاني على طريق الإعجاز