بعدم المعارضة ، وقوله «النور المبين» و«علم اليقين» يريد قوله تعالى (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ).
(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٥)
قال المشركون لما دعوا إلى توحيد الإله في ألوهته بقوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) أكثروا التعجب وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) فهي حكاية الله لنا عن المشرك أنه قال هكذا ، إما لفظا وإما معنى ، والمشرك هو من جعل مع الله إلها آخر من واحد فما زاد ، وكان ذلك من أجل اعتقادهم فيما عبدوه أنهم آلهة دون الله ، المشهود له عندهم بالعظمة على الجميع ، والذي قالوا فيه (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) فالناس يحملون هذا القول على أنه من قول الكفار ، حيث دعاهم إلى توحيد إله وهم يعتقدون كثرتها ، وما علموا أن جعل الألوهية من الكثيرين أعجب ، ففي الحقيقة ليس العجب ممن وحّد ، وإنما العجب ممن كثر الآلهة بلا دليل ولا برهان ، وهذا القول عندنا من قول الحق ، أو قول الرسول ، وأما قول الكفار فانته في قوله (إِلهاً واحِداً) والتعجب أنه بأول العقل يعلم الإنسان أن الإله لا يكون بجعل جاعل ، فإنه إله لنفسه ، ولهذا وقع التوبيخ بقوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) والإله في ضرورة العقل لا يتأثر ، وقد كان هذا خشبة يلعب بها أو حجرا يستجمر به ، ثم أخذه وجعله إلها يذل ويفتقر إليه ويدعوه خوفا وطمعا ، فمن مثل هذا يقع التعجب مع وجود العقل عندهم ، فوقع التعجب من ذلك ، ليعلم من حجب العقول عن إدراك ما هو لها بديهي وضروري ، ذلك لتعلموا أن الأمور بيد الله ، وأن الحكم فيها لله ، وأن العقول لا تعقل بنفسها ، وإنما تعقل ما تعقله بما يلقي إليها ربها وخالقها ، ولهذا تتفاوت درجاتها ، فمن عقل مجعول عليه قفل ، ومن عقل محبوس في كنّ ، ومن عقل طلع على مرآته صدأ ، فلو كانت العقول تعقل لنفسها ، لما أنكرت توحيد موجدها في قوم وعقلته في قوم ، والحد والحقيقة فيها على السواء ، فلهذا جعلنا قوله تعالى (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) ليس من قول الكفار بل قال الله عند قولهم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) «إن هذا لشيء عجاب» حيث جعلوا الإله الواحد آلهة ، وخصوص وصفه أنه إله ، وبه يتميز ، فلا يتكثر بما به يتميز ، ويشهد لهذا النظر قولهم فيما