حكى الله عنهم (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فهم يعلمون أنهم نصبوهم آلهة ، ولهذا وقع الذم عليهم بقوله (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ)؟ والإله من له الخلق والأمر من قبل ومن بعد. واعلم أنّ الله تعالى عصم لفظ (اللهِ) أن يطلق على أحد ، وما عصم لفظ إله ، فكثرت الآلهة في العالم لقبولها التنكير ، والله واحد معروف لا يجهل ، أقرت بذلك عبدة الآلهة فقالت : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وما قالت : إلى إله كبير هو أكبر منها ؛ ولهذا أنكروا ما جاء به صلىاللهعليهوسلم في القرآن والسنة من أنه إله واحد من إطلاق الإله عليه ، وما أنكروا الله ، ولو أنكروه ما كانوا مشركين ، فبمن يشركون إذا أنكروه؟ فما أشركوا إلا بإله لا بالله ، فقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟) وما قالوا : أجعل الآلهة الله؟ فإن الله ليس عند المشركين بالجعل. ومن ذلك قول السامري (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) في الجعل ، ولم يقل : هذا الله الذي يدعوكم إليه موسى ؛ وقول فرعون (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) ولم يقل : إلى الله الذي يدعو إليه موسى عليهالسلام ؛ وقال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي).
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (٧)
لما جاءهم التعريف على يدي واحد منهم ، ولم يعرفوا العناية الإلهية والاختصاص الرباني والاختلاق لم يكن فيما تعجبوا منه ، لأنه لو أحالوه بالكلية ما تعجبوا ، وإنما نسبوا الاختلاق لمن جاء به إذ كان من جنسهم ومما يجوز عليه ذلك ، حتى يتبين لهم برؤية الآيات فيعلمون أنه ما اختلق هذا الرسول ، وأنه جاءه من عند الله الذي عبد هؤلاء هذه المسماة آلهة عندهم على جهة القربة إلى الله الكبير المتعال ، والاختلاق الكذب لهذا قالوا :
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (٩)
الاسم الوهاب أول اسم يطلب أن يظهر أثره في الأعيان لفقرها ، والوهب امتنان على