شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (٢٦)
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) لمن تقدمك أو نيابة عنا ؛ وصرح الحق بالخلافتين على التعيين في حق آدم وداود عليهماالسلام ، فقال تعالى في خلافة آدم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يريد آدم وبنيه ، وقال تعالى في داود عليهالسلام (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) وسبب ذلك لما لم يجعل في حروف اسم داود حرفا من حروف الاتصال جملة واحدة ، فما في اسمه حرف يتصل بحرف آخر من حروف اسمه ، فكان داود عليهالسلام في دلالة اسمه عليه ، أشبه بني آدم بآدم في دلالة اسمه عليه ، فصرح الله بخلافته في القرآن في الأرض كما صرح بخلافة آدم في الأرض ، فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ، وحروف داود كذلك ، إلا أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم الذي يقبل الاتصال القبلي والبعدي ، فأتى الله به آخرا حتى لا يتصل به حرف سواه ، وجعل قبله واحدا من الحروف الستة التي لا تقبل الاتصال البعدي ، فأخذ داود من آدم ثلثي مرتبة الأسماء (الألف والدال) ، وأخذ محمد صلىاللهعليهوسلم ثلثيه أيضا ، وهو الميم والدال. وشرف الله داود في هذه الآية بتعيينه باسمه في الخلافة في الأرض ، وجمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به ، وهذا شرف لم يجمع لأبيه آدم لا في تعيينه بالاسم ، ولا جمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به كما حصل لداود عليهالسلام في هذه الآية ، وذلك جبرا لقلب داود عليهالسلام بعد أن جحد آدم الستين سنة التي أعطاها له ، ورغم ذلك فإن الله أراد تأديب داود عليهالسلام لما يعطيه الذكر الذي سماه الله به من النفاسة على أبيه ، ولا سيما وقد تقدم من أبيه في حقه ما تقدم من الجحد لما امتن الله به عليه ، فلما جبره الله بذكر اسمه في الخلافة ، قال له من أجل ما ذكرناه من تطرق النفاسة التي في طبع هذه النشأة (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ) الذي أوحيت به إليك وأنزلته عليك ، أي احكم بما يقتضيه أمر الحق المشروع ، وهو تمشية أو امر الله وإنفاذ كلماته لا غير (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) وهو ما خالف شرعك ، وهو إرادة النفوس التي يخالفها حكم الحق ، فيحتمل قوله تعالى (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) يعني هوى نفسه ، أي لا تحكم بكل ما يخطر لك ، ويحتمل لا تتبع هوى أحد يشير عليك بخلاف ما أوحى الله به إليك ، فإنه تعالى قال (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) ولم يقل تعالى : هواك ، أي لا تحكم بما يهوى