إذا رآها هل يحبها عن ذكر ربه لها؟ أو هل يحبها لعينها؟ فأخبر صلىاللهعليهوسلم أنه أحبها عن ذكر ربه إياها ، لانفسها ، مع حسنها وجمالها وحاجته إليها ، وهي جزء من الملك الذي طلب أن لا ينبغي لأحد من بعده ، فأجابه الحق إلى ما سأل في المجموع ، ورفع الحرج عنه فقال له : (هذا عَطاؤُنا) ـ الوجه الثاني ـ (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) فأقام إبليس لعنه الله صورة الجنة في الخيال المنفصل لسليمان عليهالسلام ، ليفتنه بها ولا علم لسليمان عليهالسلام بذلك ، لأن الصورة المحسوسة التي تظهر فيها الروحانيات تسمى أجسادا ، فصنعت سحرة الجان لسليمان عليهالسلام أرضا من الذهب الأصفر ورصعتها بالدر والياقوت والجوهر ، تريد فتنته ولم يعلم ، فحسن ظنه بربه واعتقدها من عوائد أفضاله وبشائر إقباله ، فسجد شكرا لله حيث أتحفه بها ، وزاد في معاملته صبرا وهو قوله تعالى : «ثم أناب فأبقاها الله له جنة محسوسة يتنعم بها ، وأثبتها له جنة قدس معجلة يراها مكاشفة عين ، وخصّه بها مدة ما أمهله ، ورجع إبليس خاسرا لأنه أراد بذلك فتنته ـ بحث الفرق بين الأجسام والأجساد ـ الأجسام هي هذه المعروفة في العموم لطيفها وشفافها وكثيفها ، ما يرى منها وما لا يرى ، والأجساد هي ما يظهر فيها الأرواح في اليقظة الممثلة في صور الأجسام ، وما يدركه النائم في نومه من الصور المشبهة بالأجسام فيما يعطيه الحس ، وهي في نفسها ليست بالأجسام.
(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٣٥)
قوله «لا ينبغي» أنه يريد لا ينبغي ظهوره في الشاهد للناس لأحد ، وإن حصل بالقوة لبعض الناس ، كمسئلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع العفريت الذي فتك عليه ، فأراد أن يقبضه ويربطه بسارية من سواري المسجد حتى ينظر الناس إليه ، فتذكر دعوة أخيه سليمان فرده الله خاسئا ؛ فعلمنا من هذه القصة أنه أراد الظهور في ذلك لأعين الناس ، ويحتمل أن الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، الظهور بالمجموع على طريق التصرف فيه ، ثم إن الله أجاب سليمان عليهالسلام إلى ما طلب منه بأن ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدعوة أخيه سليمان حتى لا يمضي ما قام بخاطره من إظهار ذلك ، ومن هذه الآية نعلم أن حب العارف للمال والدنيا لا يقدح في حبه لله والآخرة ، فإنه ما يحبه منه لأمر ما إلا ما يناسب ذلك الأمر في الإلهيات ،