(وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤٣)
لما لم يناقض الصبر الشكوى إلى الله ، ولا قاوم الاقتدار الإلهي بصبره ، وعلم الله هذا من أيوب عليهالسلام ، أعطاه الله أهله ومثلهم معهم ، وجعل الحق تعالى ذكرى لنا وله عليهالسلام ، ورفق الله تعالى بأيوب عليهالسلام فيما نذره تعليما لنا ، ليتميز في الموفين بالنذر فقال.
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٤٤)
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ) لا تعود لسانك الحنث ، وبر يمينك ولو بالضغث ، وهو قبضة الحشيش ، وجعلت الكفارة في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم لسترهم عما يعرض لهم من العقوبة في الحنث ، والكفارة عبادة والأمر بها أمر بالحنث إذا رأى خيرا مما حلف عليه ، فراعى الإيمان (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) لا يرفع اسم الصبر عن العبد إذا حل به بلاء فسأل الله تعالى في رفع ذلك البلاء ، كما فعل أيوب عليهالسلام فقال : (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وأثنى الله عليه فقال : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) فما قص الحق عليك أمر أيوب عليهالسلام إلا لتهتدي بهداه ، إذا كان الرسول سيد البشر يقال له (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) فما ظنك بالتابع؟ ولذلك إذا ابتلاك الحق بضر فاسأله رفعه عنك ، ولا تقاومه بالصبر عليه ، وما سماك صابرا إلا لكونك حبست نفسك عن سؤال غير الحق في كشف الضر الذي أنزله بك (إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي رجّاع إلينا فيما ابتليناه به ، وأثنى عليه بالعبودية ، وهذا يدل على أن الشكوى إلى الله لا تقدح في الصبر ، بل من آداب العبودية الشكوى إلى الله في رفع الضر والبلاء ، فليس الصبر حبس النفس عن الشكوى إلى الله في رفع البلاء أو دفعه ، وإنما الصبر حبس النفس عن الشكوى إلى غير الله ، والركون إلى ذلك الغير ـ إشارة ـ أعظم الفتن التي فتن الله بها الإنسان تعريفه إياه بأن خلقه على صورته ، ليرى هل يقف مع عبوديته وإمكانه؟ أو يزهو من أجل مكانة صورته؟ إذ ليس له من الصورة إلا حكم الأسماء ، فيتحكم في العالم تحكم المستخلف القائم بصورة الحق على الكمال وكذلك