بالله فيتحسر ويندم ، فيعمد الله إلى من هو من أهل النار من العلماء فيخلع عنه ثوب علمه ويكسوه هذا المؤمن ليرقى به في منزلة ذلك العلم من الجنة ، لأنه لكل علم منزلة في الجنان لا ينزل فيها إلا من قام به ذلك العلم ، لأن العلم يطلب منزلته من الجنان ، والعالم الذي كان له هذا العلم هو من أهل النار الذين هم أهلها ، والعلم لا يقوم بنفسه فينزل بنفسه في تلك المنزلة ، فلا بد له من محل يقوم به ، فيخلعه الله على هذا المؤمن السعيد الذي لا علم له فيرقى به العلم إلى منزلته ، فما أعظمها من حسرة ، فإن الله لا يبقي في الدنيا عند الموت عند أهل النار الذين هم أهلها سوى العلم الذي يليق أن يكون عليه أهل النار ، وما عدا ذلك من العلوم التي لا تصلح أن تكون إلا لأهل الجنة ، يدخل الله بها على العالم به في الدنيا أو عند الاحتضار شبهة يخطرها له تزيله عن العلم أو تحيره ، ثم يموت على ذلك ، وكان ذلك في نفس الأمر علما ، فهذا الصنف من العلم هو الذي يخلع على أهل الجنان إذا لم يتقدم لهم علم به في الدنيا ، ويطمع فيه من قد كان علمه من أهل النار فيقام عليه الحجة بأنه مات على شبهة.
(إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (٤٠)
فهو تعالى الوارث إذا مات من عليها ، فإنه إذا وقعت الفرقة بين المالك والمملوك فهو الوارث لهما ، فقال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) عينا وحكما ، فأما في العين فقوله (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) وعلى الحقيقة ما ورث إلا الوجود الذي يتجلى فيه لمن ظهر من خلقه ، وهو صور الممكنات وأعراضها ، لأن الوارث لا يكون مع وجود الموروث عنه وبقائه ، وإنما يكون بعد انتقاله وعدمه من هذا الموطن ، وهو اتصافه بالعدم ، وليس ذلك إلا للصور والأعراض ، فهو وارث على الدوام.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٤١)
من صفة الصدّيق : سلامة العقل والفكر الصحيح والخيال الصحيح والإيمان بصدق المخبر وإن أحاله العقل الذي ليس بسليم ، والنبي صديق لما يخبر به الروح.