الصلاة في الجماعات ، وإسباغ الوضوء في المكاره ، والتعقيب (١) في المساجد إثر الصلوات] فمعنى ذلك أي هذه الأعمال أفضل؟ ومعنى أفضل على وجهين : الواحد أي الأعمال أحب إلى الله من هذه الأعمال ، والوجه الآخر أي الأعمال أعظم درجة في الجنة للعامل بها ، فنزاع الملائكة هنا في الأولى ؛ وقد ورد اختصام ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في الشخص الذي مات بين القريتين ؛ ومن اختصام الملأ الأعلى أن ملائكة التوحيد والوحدات ـ وهم من ملائكة العرش الذين لا يرون إلا الكلمة الواحدة وهي الرحمة العامة ـ إذا جمعهم مع المقسمات ـ وهم من ملائكة الكرسي أي المقسمات أمرا الذين لا يشهدون إلا انقسام الكلمة إلى رحمة وغضب ـ إذا جمعهم مجلس واحد وجرت بينهما مفاوضات في الأمر اختصما ، لأنهما على النقيض ، وهذا من جملة ما يختصم فيه الملأ الأعلى ، فيقول الصنف الواحد بالوحدة ، ويقول الآخر بالانقسام والثنوية. فالخصام من حكم الملائكة لأنها تحت حكم الطبيعة ، ولو لا أن الملأ الأعلى له جزء من الطبيعة ، ومدخل من حيث هيكله النوري ، ما وصفهم الحق بالخصام ، ولا يختصم الملأ الأعلى إلا من حيث المظهر الطبيعي الذي يظهر فيه ، كظهور جبريل في صورة دحية ، وكذلك ظهورهم في الهياكل النورية المادية ، وهي هذه الأنوار التي تدركها الحواس ، فإنها لا تدركها إلا في مواد طبيعية عنصرية ، وأما إذا تجردت عن هذه الهياكل فلا خصام ولا نزاع ، إذ لا تركيب. ولنبين أولا سبب الاختصام فنقول : هذه الآية مما يدل على أن الملائكة من عالم الطبيعة مخلوقون ، مثل الأناسي غير أنهم ألطف ، كما أن الجن ألطف من الإنسان مع كونهم من نار من مارجها ، والنار من عالم الطبيعة ، فكذلك الملائكة عليهمالسلام من عالم الطبيعة ، وهم عمّار الأفلاك والسموات ، فإنهم يختصمون ، والخصام من الطبيعة لأنها مجموع أضداد ، والمنازعة والمخالفة هي عين الخصام ، ولا يكون إلا بين ضدين ، فلو لا أن الملائكة في نشأتها على صورة نشأتنا ، أي أن نشأتها عنصرية ، ما ذكر الله عنهم أنهم يختصمون ، والخصام لا يكون إلا مع الأضداد ، فالملائكة عليهمالسلام لو لم تكن الأنوار التي خلقت منها موجودة من الطبيعة ، مثل السموات التي عمرتها هؤلاء الملائكة ، فإنها كانت دخانا ، فكانت السموات أجساما شفافة ، لأن كمية الحرارة واليبس فيه أكثر من الرطوبة ، وخلق الله عمّار كل فلك من طبيعة فلكه ، فلذلك
__________________
(١) التعقيب هو الجلوس في المسجد بعد الفراغ من الصلاة لذكر الله.