الله عزوجل خلق جنة عدن بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس شجرة طوبى بيده ، وخلق آدم الذي هو الإنسان بيديه] فلما جمع الله لآدم في خلقه بين يديه ، علمنا أنه قد أعطاه صفة الكمال فخلقه كاملا جامعا ، ولهذا قبل الأسماء كلها ؛ وقد وردت الأخبار والآيات بتوحيد اليد الإلهية وتثنيتها وجمعها ، وما ثنّاها إلا في خلق آدم عليهالسلام وهو الإنسان الكامل ، ولا شك أن التثنية برزخ بين الجمع والإفراد ، بل هي أول الجمع ، والتثنية تقابل الطرفين بذاتها ، فلها درجة الكمال ، لأن المفرد لا يصل إلى الجمع إلا بها ، والجمع لا ينظر إلى المفرد إلا بها ، فبالإنسان الكامل ظهر كمال الصورة ، فهو قلب لجسم العالم الذي هو عبارة عن كل ما سوى الله ، وهو البيت المعمور بالحق لما وسعه ولا يسوغ هنا حمل اليدين على القدرة لوجود التثنية ، ولا على أن تكون اليد الواحدة النعمة ، والأخرى يد القدرة ، فإن ذلك سائغ في كل موجود ، فلا شرف لآدم بهذا التأويل ، فلا بد أن يكون لقوله (بِيَدَيَّ) خلاف ما ذكرناه مما يصح به التشريف ، فإنه لما أراد الله كمال هذه النشأة الإنسانية جمع لها بين يديه ، وأعطاها جميع حقائق العالم ، وتجلى لها في الأسماء كلها ، فحازت الصورة الإلهية ، والصورة الكونية وجعلها روحا للعالم ، وجعل أصناف العالم له كالأعضاء من الجسم للروح المدبر له ، فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، كما يتعطل الدنيا بمفارقة الإنسان ، فالدار الدنيا جارحة من جسد العالم الذي الإنسان روحه ، ولكونه جامعا قابل الحضرتين بذاته ، فصحت له الخلافة ، وتدبير العالم وتفصيله ، فإذا لم يحز إنسان رتبة الكمال فهو حيوان ، تشبه صورته الظاهرة صورة الإنسان ، فإن الله ما خلق أولا من هذا النوع إلا الكامل وهو آدم عليهالسلام (أَسْتَكْبَرْتَ) في نظرك؟ بقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) وكذلك كان ، فإن الله أخبر عنه أنه استكبر فقوله تعالى (أَسْتَكْبَرْتَ)؟ على من هو مثلك يعني عنصريا (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) أي أنك في نفس الأمر خير منه فكنت من العالين عن العنصر ، ولست كذلك ، ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون عنصريا في نشأته النورية العنصرية وإن كان طبيعيا ، فهو علو المكانة عند الله ، فهنا ظهر جهل إبليس ، وقد يريد بالعالين الملائكة المهيمة في جلال الله الذين لم يدخلوا تحت الأمر بالسجود ، فهم المهيمون الكروبيون ، وهم أرواح ما هم ملائكة ، فإن الملائكة هم الرسل من هذه الأرواح ، كجبريل عليهالسلام وأمثاله ، فإن الألوكة هي الرسالة في