كل ما ينسب إلى الله تعالى فهو بحسب ما يليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه ولا تصور ، بل كما تعطيه ذاته وما ينبغي أن ينسب إليها من ذلك (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (الْعَزِيزُ) فلا يصل أحد إلى العلم ولا إلى الظفر بحقيقته (الْحَكِيمُ) الذي نزل لعباده في كلماته فقرّب البعيد في الخطاب لحكمة أرادها تعالى.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (٢)
(فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) أي طهر عبادتك من العلل حتى تعبد الله عبدا خالصا محضا ، لا تشوبه علة ولا مرض في عبادته ولا عبوديته ، فإن الموحد يعبد الله من طريقين : من طريق الذات من كونها تستحق وصف الألوهية ، ومن طريق الألوهية ، فالسعيد الجامع بينهما ، لأن العبد مركب من حرف ومعنى ، فالحرف للحرف والمعنى للمعنى ، فلذلك لا نعبد الذات معراة عن وصفها بالألوهية ، ولم تعبد الألوهية من غير نسبتها إلى موصوف بها ، فلم تقم العبادة إلا على ما تقتضيه حقيقة العبد وهو التركيب ، لا على ما تقتضيه حقيقة الحق وهو الأحدية ، التي لا تتعلق ولا يتعلق بها فإنها للذات ، فلبّ إذا دعاك الحق إليه ، لا رغبة فيما في يديه ، فإنك إن أحببته لذلك ، فأنت هالك ، وكنت لمن أجبت ، وأخطأت وما أصبت ، واستعبدك الطمع واسترقك ، وأنت تعلم أن الله لا بد أن يوفيك حقك ، فمن كان عبدا لغير الله فما عبد إلا هواه ، وأخذ به العدو عن طريق هداه ، ما اختزن الأشياء إلا لك ، فقصر أملك وأخلص لله عملك.
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) (٣)
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) ـ الوجه الأول ـ ألا إنه العهد الذي خلص لنفسه في وفاء العبد به ، ما استخلصه العبد من الشيطان ، ولا من الباعث عليه من خوف ولا رغبة ولا جنة ولا نار ، فقد يكون الباعث للمكلف مثل هذه الأمور في الوفاء بعهد الله ، فيكون