نظرهم لا عن وضع إلهي ، ولم يفرقوا بين ما هو وضع لله في خلقه وبين ما وضعوه لأنفسهم من أنفسهم ، مثال ذلك ، ما وضعه الحق لعباده من تقبيل الحجر الأسود والسجود ، وجعل الكعبة قبلة ، إلى غير ذلك ، فيقال للمشركين : وإن كنتم ما عبدتم كل من عبدتموه إلا بتخيلكم أن الألوهة صفته ، فما عبدتم غيرها ، ليس الأمر كذلك ، فإنكم شهدتم على أنفسكم أنكم ما تعبدونها إلا لتقربكم إلى الله زلفى ، فأقررتم مع شرككم أن ثمّ إلها كبيرا ، هذه الآلهة خدمتكم إياها تقربكم من الله ، فهذه دعوى بغير برهان ، فإذ وقد اعترفوا أنهم عبدوا الشريك ليقربهم إلى الله زلفى ، فتح القائل على نفسه باب الاعتراض عليه ، بأن يقال له : ومن أين علمتم أن هذه الحجارة أو غيرها لها عند الله هذه المكانة بحيث أن جعلها معبودة لكم؟ ـ راجع سورة يونس آية ـ ـ ١٨ ـ تحقيق ـ إن الله نصب الأسباب وأزال حكم الأرباب قال المشركون (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فلو قالوا «ما نتخذهم» وأبقوا العبودية لجناب الله تعالى ، لكان لهم في ذلك مندوحة بوضع الأسباب الإلهية المقررة في العالم. واعلم أن الله لا يدخله تنكير ، والإله يدخله التنكير ، فيقال : إله ؛ ففرق بين قولك : الله ، وقولك : إله ، فكثرت الآلهة في العالم لقبولها التنكير ، والله واحد معروف لا يجهل ، أقرت بذلك عبدة الآلهة قالت (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وما قالت : إلى إله كبير هو أكبر منها ، ولهذا أنكروا ما جاء به صلىاللهعليهوسلم في القرآن والسنة من أنه إله واحد ، من إطلاق الإله عليه ، وما أنكروا الله ، ولو أنكروه ما كانوا مشركين ، فبمن يشركون إذا أنكروه؟! فما أشركوا إلا بإله لا بالله.
(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٤)
(لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى) فجعله من قبيل الإمكان ، فأجاز التبني وجوّز ذلك ، والاصطفاء جعل ، والمجعول ينافي الكفاءة للجاعل ، فجعل ذلك استدلالا بالتنبيه على موضع الدلالة ، (مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) بقي تعلق الاصطفاء ، بمن يتعلق؟ هل بالصاحبة؟ مثل قوله تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) يعني الولد (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا)